بالصداقة نرقى ونسمو

 تعتبر الصداقة من أرقى أنواع العلاقات التي يعيشها البشر فيما بينهم، ذلك أن الصديق هو الإنسان الذي نختاره بملء إرادتنا بعيداً عن الفرض الذي يأتي من خلال العلاقات القائمة على الرابطة الأسرية أو الدينية أو…

والصداقة بين الرجل والمرأة، أو بين الشاب والفتاة، باعتقادي الشخصي، من أهم أشكال الصداقة، فإن كانت تقوم على أسس قوية ستكون من أرقى العلاقات وأعمقها، ذلك أن علاقة الصداقة تختلف كلياً عن العلاقة العاطفية التي قوامها المشاعر المتبادلة بين الطرفين، واختلافها ناجمٌ عن تنوع خصائصها وميزاتها، فالصديق سواء كان رجلاً أو امرأةً، يمتلك القدرة على الدخول في عوالم الطرف الآخر وبمقدوره أن يسلط الضوء على النقاط السوداء أو السلبية لدى الشريك، مع القبول التام من الشريك لرأي الآخر وتقبّل النقد، على أساس أن الصديق هو من صدَقك لا من صدًّقك، إضافةً إلى ذلك فإن التنوع الحاصل من خلال اختلاف الجنسين يؤدي بالضرورة إلى غنى هذه العلاقة وتطورها ورقيها، ذلك أن باستطاعة الشاب مثلاً منح الفائدة لصديقته من خلال منظوره كشاب، وبالتالي يمنحها القدرة على التفكير الأكثر وضوحاً وتنوراً في العديد من الأمور والمواقف، والعكس صحيح بالمقابل، وعلى الرغم من الانسجام شبه الكلي بين طرفي العلاقة إلاّ أنها أيضاً تحافظ على قدرٍ عالٍ من الاحترام المتبادل بألاّ يتجاوز أحدهما حدوده مهما تعمّقت هذه الصداقة.

إلا أن خيطاً واهياً يفصل ما بين الصداقة العميقة والحب، ونظراً لكوننا نحيا في مجتمعٍ لا يزال يحرّم الحب ويصفه بشتى الصفات السيئة، فإن مفهوم الصداقة العميقة والحقيقية بين الفتاة والشاب لا يزال ناقصاً ويحتاج إلى الكثير من الفصل بينه وبين الحب، ولذلك نرى الكثير من علاقات الصداقة قد تحولت إلى علاقة عاطفية مباشرةً.  المجتمع الذي يحرّم الحب، لم ولن يتقبل فكرة الصداقة بين الشاب والفتاة، ولا ينظر إلى هذه العلاقة إلا من خلال منظوره المشوّه للحب، ذلك أننا لم نصل بعد إلى مستوى من التفكير يتقبل مبدأ الصداقة، ونحن نشرّح الحالة على أنها بين شاب وفتاة عازبين، فما بالك لو حاولنا تخيل علاقة صداقة بين رجل وامرأة كل منهما متزوج؟ إنها من وجهة نظر المجتمع كبرى الكبائر…

وعلى هذا فإننا بحاجة ماسّة لأن نغير نظرتنا إلى الصداقة وإلى الأبعاد الحقيقية لها، والتي من شأنها أن ترقى بمنظومة تفكيرنا، وتجعلنا أكثر وعياً وانفتاحاً على الحياة بمختلف مناحيها.