في الذكرى الثمانين للحرب الأهلية الإسبانية والألوية الأممية

 (أتيتم إلينا من كل الشعوب والأعراق كإخوة، كأبناء إسبانيا الخالدة وفي أقسى أيام الحرب، عندما كانت عاصمة الجمهورية الإسبانية مهددة.. أنتم الرفاق من الألوية الأممية الذين ساعدتم في إنقاذ المدينة بحماستكم النضالية وبطولتكم وروح التضحية). (دولوريس إيباروري لاباسيوناريا)، برشلونة في 1 تشرين الثاني 1938.

كانت هذه كلمات دولوريس (زهرة الآلام) إيباروري أمام قسم من 35 ألف عامل ومواطن من 53 بلداً استجابوا لنداء الجمهورية الإسبانية للنضال ضد الجيوش الشوفينية الفاشية في عام 1938. وصاروا يعرفوا بالفرقة الأممية، ويمكن أن تُعتبر إسهاماتهم وتضحياتهم مثالاً فذاً على الأممية البروليتارية.

ألقي هذا الخطاب في ذروة الحرب الأهلية الإسبانية التي استمرت من تموز 1936 إلى نيسان 1939 عندما هاجمت جيوش فرانكو الجمهوريةَ الإسبانية التقدمية بطائرات وقنابل وقوات من ألمانيا هتلر وإيطاليا موسوليني دعماً لقوات فرانكو من المحافظين والفاشيين.

وفي حين قدم الاتحاد السوفييتي الأسلحة والطائرات والطيارين والمواد الغذائية في هذه المعركة ضد الفاشية، احتفظت بريطانيا وفرنسا الإمبرياليتان بموقف (عدم التدخل) على الرغم من تدخل الفاشيين الألمان والإيطاليين إلى جانب فرانكو.

برزت الحرب الأهلية بسرعة من تحول مهم في المجتمع الإسباني، عندما انهار النظام الاجتماعي القديم في أوائل ثلاثينيات القرن الماضي مع نهاية حكم الملك الإسباني ألفونسو الثالث عشر.. ووجد جميع الذين اعتمدوا وآمنوا بالدعائم الظالمة للمجتمع الإقطاعي أنفسهم في صراع مع النماذج الجديدة للجمهورية التقدمية، وكذلك مع ثقة العمال والفلاحين المتزايدة بها.

جردت الجمهورية أفراد طبقة النبلاء من وضعهم الشرعي الخاص والامتيازات، وانتزعت الوضع الكلي القدرة للكنيسة الكاثوليكية، وحصلت النساء على حق التصويت، وقدم دستور الجمهورية أيضاً الأساس القانوني لتأميم المصارف والأرض والخطوط الحديدية.

كانت الصيغة الإسبانية للفاشية هي (الكتائب)، وكان الفاشيون ائتلافاً من جماعات من اليمين التفت حول أفكار مختلفة: عودة الكنيسة إلى المكان المهيمن في الدولة، وفرض دولة إسبانية مركزية ممتازة على إسبانيا كلها والمناطق، واتجاه ثابت ووحشي في عدائه للماركسية والعمال والمسالمين.

كانت إيطاليا قد غزت الحبشة في شرق إفريقيا، وضمت ألمانيا النمسا وأرض السوديت في تشيكوسلوفاكيا، وكانت اليابان منهمكة في منشوريا بالصين، وسيحدث غزو بولونيا بعد ستة أشهر فقط من نهاية الحرب الأهلية.. ولكن بريطانيا وفرنسا رفضتا التفكير في اتفاقية دفاع جماعية مع الاتحاد السوفييتي، وظلتا تهدفان إلى ممارسة نوع من التوازن في أمل أعمى هو الحفاظ على السلم الذي كان موجوداً بينهما وبين الدول الفاشية، آملين بلا شك أن تتوجه الآلات الحربية الفاشية إلى الاتحاد السوفييتي وحده.

لم تشعر أقسام من الطبقة الحاكمة البريطانية بالود تجاه الجمهورية الإسبانية. قال ونستون تشرشل فرحاً عندما كانت مدريد تعاني من قصف جوي مكثف من الطائرات الألمانية والإيطالية: (سينتهي هذا الهراء قريباً، وسيكون فرانكو قريباً في مدريد)، إضافة إلى ذلك اعترفت الدولة البريطانية بحكومة فرانكو ممثلة شرعية لإسبانيا فور سيطرتها على العاصمة، مع أن الحكومة الجمهورية المنتخبة شرعياً كانت لاتزال تقاتل.

وأخيراً انهارت الجمهورية تحت ضغط الفاشيين وأعدائها الداخليين والخارجيين. كان الجنرال الفاشي إميليو مولا من صاغ مصطلح (الطابور الخامس) عندما شرح كيف سيبرز الأعداء المستترون ضمن الجمهورية عندما يتقدم الفاشيون نحو مدريد (للالتحاق بالطوابير الأربعة للجيش الفاشي).

أمكن تجنّب الموت الأبكر للجمهورية بفضل أفراد الفرقة الأممية الذين استجابوا لنداء الأممية الثالثة الشيوعية. كان الكثيرون ممن أتوا إلى الألوية الأممية ثوريين شيوعيين منظمين عسكرياً وسياسياً.. ويذكر بشكل خاص الأمميون من ألمانيا الذين، بعد أعوام من العمل السري ضمن دولة هتلر الفاشية، طوروا احترافية صلبة وثقافة تنظيمية تعلم منها الإسبان واستفادوا بدرجة كبيرة.

لم يكن الأمميون الألمان القسم الوحيد الفذ.. كان هناك الإيطاليون والسوفييت والفرنسيون والأمريكيون والكنديون والبريطانيون.. بعد عودتهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية مُنع أفراد لواء أبراهام لنكولن الأمريكي من الترقية في الجيش الأمريكي عندما طلبوا فيما بعد للخدمة الإلزامية خلال الحرب العالمية الثانية، وأرغموا على المثول أمام استجواب في الكونغرس خلال (الذعر الأحمر) وهُددوا حتى تجريدهم من جنسيتهم الأمريكية.

كان أوليف لو أول أمريكي إفريقي يقود وحدة عسكرية خليطة من الأمريكيين، وفعل ذلك كعضو في لواء أبراهام لنكولن في الحرب الأهلية الإسبانية وليس كعضو في جيش البلد الذي سادت فيه قوانين التمييز العرقي ضد الزنوج.

وقد تطوع في هذه الفرقة الأممية مئات العرب من الجزائر وكل شمالي إفريقيا مئات من العرب البواسل الذين فهموا أن الدفاع عن مدريد هو دفاع عن الحق، دفاع عن العرب أنفسهم، دفاع عن الأقطار العربية كلها، وبرهنوا للعالم أن بعض المراكشيين الذين ساقهم فرانكو في جيوشه هم مخدوعون ولا يمثلون إرادة الشعوب العربية (خالد بكداش، العرب والحرب الأهلية في إسبانيا، دمشق 1937).

العدد 1105 - 01/5/2024