صلاة إلى العام الجديد

الشاعرة العربية الكبيرة فدوى طوقان، التي ولدت في مدينة النار والثورة: نابلس، عام 1917 لأسرة عربية عريقة، والتي فارقتنا فراقاً أبدياً في الثالث عشر من شهر كانون الأول عام 2003، هي بامتياز سنديانة فلسطين التي لا تموت، وأم الشعراء الحانية على امتداد الزمان… قضت عمرها، ولا سيما بعد الهزيمة القاسية النكراء التي حلّت بالعرب في الخامس من حزيران عام 1967، في حمل الهمّ العربي ومقارعة الاحتلال الصهيوني النازي لوطنها فلسطين.. وكانت قصائدها تشكّل تحدياً مستمراً وقلقاً دائماً لدى سلطات الاحتلال، وقول المجرم موشي ديّان، وزير دفاع الكيان الصهيوني: (إن كلّ قصيدة تكتبها فدوى طوقان تعمل على خلق عشرة من رجال المقاومة الفلسطينية) هي خير دليل على ذلك…

لقد كان صوت فدوى طوقان الشعري خالصاً للحب العميق المترامي الأمداء.. وخالصاً للإبداع الإنساني المنافح عن الحق والجمال والحرية والعواطف الإنسانية النبيلة التي هي في نهاية المطاف ألف الحياة وياؤها…

ولعل قصيدتها (صلاة إلى العام الجديد) من القصائد العربية الغنائية القليلة التي عبّرت بعمق وصدق وصلاة ضارعة، وعلى نحو وجداني بديع خلاق، عن أمل إنساني لا يريم: في الحب الحاني.. في الخير والعطاء.. في الأمن والسلام.. وفي الخصوبة والزمن الأخضر القادم:

في يدينا لكَ أشواقٌ جديدةْ

في مآقينا تسابيح، وألحانٌ فريدةْ

سوف نُزجيها قرابين غناءٍ في يديك

يا مُطِلّاً أملاً عذب الورودْ

يا غنيّاً بالأماني والوعودْ

ما الذي تحمله من أجلنا؟

ماذا لديك؟

أعطنا حباً..

فبالحبّ كنوزُ الخير فينا تتفجَّرْ

وأغانينا ستخضرُّ على الحبّ وتُزهرْ

وستنهلُّ عطاءً وثراءً وخصوبةْ

أعطنا حباً..

فنبني العالمَ المنهارَ فينا من جديدْ

ونعيدْ

فرحة الخصب لدنيانا الجديبةْ

أعطنا نوراً يشقّ الظلماتِ المدلهمّةْ

وعلى دفقِ سناهُ

ندفع الخطوَ إلى ذروة قمَّةْ

نجتني منها انتصاراتِ الحياةْ…

وبعد.. أيّها العربيّ الوطنيّ الشريف المقاتل والمقاوم… يا صاحب الكرامة الوطنية والقومية والنخوة والشهامة والمروءة… السوريون، والعراقيون، واللبنانيون، والفلسطينيون، واليمنيون.. المصلوبون في أَتُون جهنم.. المحاصَرون بالقتل والحرق والإرهاب والتكفير.. بالأَدْعياء، والطُّلَقاء، وبائعي الأوطان، وناهبي البلاد والعباد.. والمحاصرون بالمُتَأسلمين، المُتَأمركين، المتصهينين والرماديين… يشدون على يديك.. يباركون خُطاك.. يقفون بثبات إلى جانبك.. ينحنون بإجلال أمام تضحياتك وبطولاتك وفدائك… ويناشدونك:

لا ينهض بأمتنا وأوطاننا وبنا سواك.. ولا يعيد جوهر العيد إلينا أحد إلاك.. فامضِ في خُطاك من أجل عيد نجتمع فيه على المحبة والمودة والفرح والخير والحياة الكريمة… ونحتفل به احتفالاً يليق بالإنسان وبالطفولة التي باركها يَسُوع المَسِيح الناصريّ.. وقال: (دَعُوا الصغارَ يَأْتُونَ إليَّ ولا تَمْنَعُوهُمْ، لأنَّ لِمِثْلِ هؤلاءِ ملكوتَ السماواتِ).

أيها العربيّ الوطنيّ الشريف المقاتل والمقاوم… سِرْ في خطاكْ.. من أجل الكرامة والحرية والعدالة والمساواة واحترام إنسانية الإنسان.. من أجل وطنٍ حرٍّ، كريمٍ، آمنٍ.. لا ظلم فيه ولا عنف، لا إرهاب ولا تكفير، لا احتلال ولا حصار، ولا حقد وكراهية وسواد…

عاشت أمتنا العربية حرّة عزيزة.. وكل عام وأنت ونحن وأوطاننا بخير وسلام…

العدد 1105 - 01/5/2024