التضليل الإعلامي

أساس الرأسمالية هو الاستغلال.. يتلقى العمال أجراً أقل من القيمة الفعلية لعملهم، ويعيشون في ظروف متقلقلة دائمة، مبتلين بالتفاوت الاجتماعي الكبير، ويزدهر الكسب غير المشروع والفساد، وأصبحت الحرب قاعدة.

موضوعياً، تتلقى الأغلبية الكبرى من الناس القليل من الفائدة أو لا تتلقى شيئاً من نظام كهذا، إنه مصمم لتفضيل قلة صاحبة امتيازات، وهذا ما يفعله بدقة، وهو من منظور الأقلية ذات الامتيازات نظام ناجح جداً، أما بالنسبة لكل شخص آخر فهو مصاص دماء.

ولكن هذه الأقلية تتمسك بالسلطة في ظل الرأسمالية، وبذلك تسيطر على النظام كي يناسبها، وتسيطر أيضاً على الطريقة التي يوصف بها النظام ويجري تقديمه، وهذا عامل يزداد أهمية بعد أن أصبحت البروباغندا والتحريض أكثر تطوراً ويوجه علمياً، بحثت الرأسمالية بشكل موسع دور وقوة الإعلام الجماهيري وضمّت هذه الأدوات إلى ترسانتها.

ولكون الرأسمالية فاسدة، بسبب التفاوت الاجتماعي والظلم العام، فليس مفاجأة أن تسير دوماً يداً بيد مع الأكاذيب.. دعا الرأسماليون إلى (علاقات حسنة) بين البلدان، حتى وهم يقومون بمحاولات للسيطرة عل هذه البلدان وسرقة مواردها.. وفي سياق حشو جيوبهم صقل الرأسماليون فن الانتقائية بالنسبة للحقيقة، لقد رفعوا الكذب في الواقع إلى مستوى جديد كلياً يسمى (التضليل) وهي سياسة متعمدة ومنسقة من الزيف الجيد التنظيم أو المعلومات المضللة.

ليس هذا تطوراً جديداً للرأسمالية، فخلال الحرب الروسية- الفنلندية عام ،1940 عندما كانت الإمبريالية البريطانية مصممة على بدء حرب مع الاتحاد السوفييتي، غمرت الصحافة الرأسمالية في العالم روايات (شاهد عيان) مرعبة عن نكبات عسكرية روسية كتبها مراسلون لم يكونوا موجودين حتى في البلد نفسه الذي يُفترض أنهم يغطون الصراع فيه.

ودعنا لا ننسى (حادثة خليج تونكين) المشهورة والزائفة كلياً التي ابتكرتها الإمبريالية الأمريكية في عام 1964 لتسويغ تصعيد الحرب في فيتنام، أو المأزق الزائف كذلك لـ(طلاب طب أمريكيين) يفترض أنهم مهددون، والذي استخدم ذريعة لغزو غرينادا في عام ،1983 وعندما قررت الإمبريالية الأمريكية والألمانية غزو يوغسلافيا وتحطيمها في عام 1999أحدثتا أولاً التمزيق بين الأقليات الإثنية، وبعد ذلك أطلقتا كذبة (التطهير الاثني) لتسويغ عدوانهما.

وبعد أربعة أعوام أعلنت الحكومتان البريطانية والأمريكية بصوت عال كذبة امتلاك العراق لـ(أسلحة دمار شامل) تتطلب غزواً فورياً، وكان على شعب العراق أن يعيش كابوساً منذ ذلك الوقت.

وتتكرر العملية نفسها اليوم في سورية، حيث جهود الولايات المتحدة للإطاحة بالحكومة المنتخبة تعني أن كل الفبركات المعادية للحكومة السورية تُذكَر كحقيقة لا يرقى إليها الشك، في حين تغفَل الروايات عن نجاحات الجيش السوري ضد إرهابيي داعش أو تُقلب رأساً على عقب كدليل على (فظاعات) الحكومة.

احتل (متمردون) جزءاً من حلب عام .2012. يضم هؤلاء (المتمردون) المدججون بالسلاح (قوات خاصة) تركية وسعودية وأمريكية، إضافة إلى جهاديين جندهم متعصبون دينيون من أماكن بعيدة مثل الشيشان وأستراليا، بعد ثلاثة أعوام، وبعد تدمير المدينة، إلى حد كبير، هُزم (المتمردون) على يد الجيش السوري مدعوماً بقوة جوية روسية.

ولكن بدلاً من الاحتفال بالتحرير الوشيك لحلب من الإرهابيين الذين يطوقونها، كان الخط الذي سار عليه الإعلام الرأسمالي هو أن المدينة (تتعرض لهجوم) من قبل الحكومة السورية التي (تقصف شعبها بالبراميل)، كل كذبة جيدة مادامت تخدم مصالح الإمبريالية.

لنأخذ القصص التي نُشرت على نحو واسع عن الجوع الجماعي في بلدة مضايا، تذكرنا القصص كثيراً بالحكايات عن الجوع الجماعي كذلك في كوريا الديمقراطية، ومثل الفبركات الكورية رافقتها أيضاً مجموعة من صور متلاعب بها لأناس (جائعين).. لسوء حدس الدعائيين الأمريكيين الضالعين في هذا العمل المثير تبين أن الفتاة التي يُفترض أنها جائعة في مضايا، هي من مدينة جنوب لبنان، وظهرت على يوتيوب لتنفي قصة أنها من مضايا، ولم تكن جائعة كذلك.

كانت الحكومة ترسل الطعام في الحقيقة إلى مضايا، ولكن المجموعات (المتمردة) المسلحة سطت على القوافل التي تحمل الطعام إلى البلدة، وبعد ذلك باعته للمواطنين بأسعار باهظة، وبهذه الطريقة لم تحصل فقط على رافعة سياسية بل زادت كذلك أموالها.

كما قلنا، لا تتوانى الرأسمالية أبداً من استخدام الأكاذيب لخدمة أهدافها، والأكاذيب في الحقيقة أكثر ملاءمة بكثير من الحقائق الفعلية التي تحتاج عادة إلى تحريف أو تشويه قبل استخدامها لمصلحة الإمبريالية،ولكن نتساءل عن أخلاقية جيش الشباب البارعين الذين توظفهم الإمبريالية لينشروا البروباغندا الحاذقة التي تتدفق من طواحين إشاعاتها، يعرفون أن ما يكتبونه هراء زائف، ولكنهم ينشرونه مع ذلك.

العدد 1105 - 01/5/2024