ما سّر الاستمرارية في عمل فرع الجبهة بالسويداء؟

ليس من قبيل المبالغة، ولا من قبيل الادعاء، القول إن فرع الجبهة الوطنية التقدمية بالسويداء كان ولا يزال، رغم الظروف الخطيرة التي تمر بها البلاد، ظاهرة قّل مثيلها، فهي تجّسد بصورة محددة وواقعية التنوع وتعدد الرؤى والعمل المبرمج. فمنذ بداية الحراك السلمي الشعبي، ومع تطور الأحداث الدامية على مدى السنوات الثلاث، حافظ فرع الجبهة على اجتماعاته الدورية الشهرية، يبحث فيها جدول أعمال يتناول بصورة أسياسية الوضع السياسي في البلاد، والوضع الأمني في المحافظة، والقضايا المتعلقة بحياة الناس واحتياجاتهم المعاشية.

وفي غمرة الصراع المسلح والمّدمر، رفع الفرع من وتيرة الاجتماعات، وأصبحت نصف شهرية، تعقد تارة في مقر حزب البعث، وتارة في مقر أحزاب الجبهة، وتجري اللقاءات مع الشعب الجبهوية وقواعدها، وتُنظم النشاطات الثقافية، ويُبحث باستمرار أسلوب العمل.

ومن الجدير بالذكر أن اجتماعات الفرع ليست شكلية، ولا هي مناسبة للتعبير عن الولاء، والامتثال، بل هي أشبه ما تكون بمنتدى للحوار، وساحة للمكاشفة والمناقشات الحامية التي يسودها تنوع الرأي، والتي يعبر فيها أعضاء الفرع بكل مسؤولية عن آرائهم، فيسمون الأشياء كما هي، عبر قراءة نقدية تتناول محاور البحث في الميادين كافة، ولعل الاجتماع الماضي خير مثال على ذلك.

مؤتمر جنيف ومستقبل البلاد

وضع الفرع في اجتماعه يوم الثلاثاء 7/1/2014 على بساط البحث، فيما وضع، مؤتمر جنيف وآفاق الحل المرتقب، وأشار رئيس الفرع إلى أن الدعوات قد وجُهت إلى المدعوين لحضور المؤتمر، وتناول بإسهاب مواقف الأطراف الإقليمية والدولية، وأكد أن الدولة السورية قد بعثت بأسماء الوفد الذي سيشارك في المؤتمر، بينما الطرف الآخر لم يتخذ قراره بعد. وشارك أعضاء الفرع في المناقشة، ووضعوا تصوراتهم المتعلقة بمدى نجاح المؤتمر أو فشله. وقد أكدتُ من جديد أن حزبنا الشيوعي السوري الموحد، كان منذ البدء ولا يزال مع الحل السياسي، وقد حذّر الحزب من أن استمرار الحل الأمني وتصاعد وتيرة العنف المتبادل، سيزيد من معاناة شعبنا الإنسانية، وسيعمق الأحقاد وعدم الاستقرار، وسيلحق الدمار الفظيع بمدننا وقرانا، ولن ينزع فتيل الأزمة بل سيطيل أمدها، وسيجعل الحل السياسي أكثر صعوبة، وسيدفع باتجاه تدويل القضية السورية بحيث لا تبقى بيد أبنائها، كل هذا يجعل مؤتمر جنيف أمام تحديات في غاية الصعوبة ليست داخلية فحسب، بل إقليمية ودولية لا تبعث على التفاؤل، فالمواقف الدولية كما أصبح معروفاً لا تنطلق من المبادئ بل من المصالح، وتبدل مواقف هذه الدول لا يتعلق برجحان كفة هذا الطرف أو ذاك، بل تتفق أو تختلف عبر مناورات لا تعبأ بمصير الشعب السوري ولا هي قلقة على كيان الدولة السورية ووجودها، كما أن مواقف الدول الإقليمية تنطلق من أجنداتها الخاصة، ومواقفها تذكرنا بمسرحية (دائرة الطباشير القوقازية) للكاتب الألماني بريخت، فكل دولة إقليمية تشد سورية للدخول في دائرتها، وهذا التجاذب يهدد بتقطيع أوصال وطننا. كل هذا يجعلنا نرى أن مفتاح الحل بيدنا نحن السوريين، وهذا يتطلب من القيادة السورية أن تأخذ بيدها زمام المبادرة، وتخطو الخطوة الأولى التي تمهد الطريق، وتبعث الأمل في النفوس بأن الحل السياسي ليس مستحيلاً، وأن تقدم على خطوات جريئة باتت معروفة، تخرج البلاد من فم الموت والدمار، فثمة مهجرون يحلمون بالعودة إلى الديار، وثمة معتقلون ينشدون الحرية، وثمة جرحى ينتظرون العلاج، وثمة محاصرون جياع عطاش يستغيثون، ونحن جميعاً متفقون على أن قلوب أعدائنا تملؤها الغبطة، وهم يرون شعبنا يعيش واحدة من أسوأ المحن الإنسانية التي عرفها التاريخ البشري. لقد تعبت سورية وأصبحنا نحن أبناءها بحاجة إلى استعادة الشعور بحقنا في الراحة والأمان والاستقرار.

الوضع الأمني في المحافظة

تناول الاجتماع أيضاً الوضع الأمني في المحافظة، وجرت الإشارة إلى خطورة ما يجري، إذ تستمر حوادث خطف المواطنين الأبرياء، وابتزازهم وإجبارهم على دفع الآلاف والملايين، فقد تم خلال الأيام الماضية إطلاق الرصاص على فلاح في حقله، وعلى موظف عائد إلى بيته، واختطف عامل عائد من دول الخليج قبل الوصول إلى بيته وأسرته، ويتم اقتحام آبار المياه التي تروي سكان القرى وتخريب محطاتها. كما تحدث أعضاء الفرع عن ارتفاع منسوب حوادث السرقة والنهب التي تجري أحياناً في وضح النهار، وتوقفوا أمام حادثة السطو التي تعرض لها مقر فرع الجبهة الوطنية بالسويداء وتساءلوا: كيف يتم فتح مكاتب ثلاثة أحزاب في المقر ويسرق أثاثها إلا من خلال عصابة محترفة، وطالبوا برفع وتيرة الرقابة والحماية، وملاحقة عصابات السرقة التي لم تتردد في إطلاق النار على الناس لدى اقتحامها بيوتهم.كما جرى الحديث عن بعض المعتقلين وضرورة الإفراج عنهم.

الوضع المعاشي

وتحدث أعضاء الفرع عن الأزمات المعاشية التي يعانيها المواطنون، وبخاصة الاختناقات التي تطول المواد الضرورية كالبنزين والغاز، وكالمازوت الذي كما قال أحد الأعضاء إنه مفقود بالسعر الرسمي وموجود بسعر السوق السوداء. وعرض محافظ السويداء، الذي لا يغيب عن اجتماعات الفرع، الحالة التموينية في المحافظة والإجراءات التي تجري بهدف تأمين حاجات الناس، وأشار إلى عودة الدولة إلى التدخل في تسعير المواد الغذائية، وقد ساعد هذا على تراجع الأسعار في السوق، ودعا إلى تعاون المجتمع المحلي وأحزاب الجبهة في كل ما من شأنه أن يساعد على محاربة الفساد وارتقاء العمل في ميدان الرقابة الشعبية.

في النهاية أشار بعض الأعضاء إلى الدور الذي يقوم به رئيس فرع الجبهة، الذي يعمل ليل نهار بأناة، وبحكمة، لمواجهة الأحداث اليومية الطارئة بهدف الحفاظ على سلامة الناس في هذه الظروف المأساوية التي تمر بها البلاد. وبكلمة، قد تختلف آراء الناس حول عمل فرع الجبهة ومدى جدواه ومستقبله، وليس لدينا نحن أعضاء الفرع أوهام حول عملنا، ولكننا نعتقد في الوقت نفسه أنه ليس ثمة خلاف بين الوطنيين والتقدميين حول سورية الجديدة، التي لن تكون دولة التكفيريين والظلاميين ودعاة الفكر السلفي، بل ستكون دولة مدنية عصرية يسودها الحكم الرشيد، وستكون  إحدى سماتها التعددية السياسية المجّسدة في أحزاب تمتلك زمام أمورها، أحزاب عريقة وجديدة تختلف وتتفق، تتنافس أو تتحالف على قاعدة الاستقلالية، في فضاء ديمقراطي ملائم، في سبيل النهوض بوطن أثخنته الجراح.

العدد 1104 - 24/4/2024