الترشّح والانتخاب حق تقتضيه المواطنة

 ترتبط المواطنة عادة بحق العمل والإقامة والمشاركة السياسية في دولة ما. وتبعاً لنظرية جان جاك روسو (العقد الاجتماعي) المواطن له حقوق إنسانية يجب أن تُقدّم إليه، وهو في الوقت نفسه يحمل مجموعة من المسؤوليات التي يلزم عليه تأديتها. فالمواطنة علاقة بين الأفراد والدولة كما يحددها القانون، بما تتضمنه تلك العلاقة من واجبات وحقوق وضرورة ممارستها بديمقراطية حقيقية وفعّالة.

وعلى هذا الأساس، هناك جملة من الحقوق الأساسية من الدولة تجاه المواطن، دون أيّ تمييز على أساس العنصر أو اللون أو اللغة أو الجنس أو… الخ، من ضمنها الحقوق السياسية التي تتمثل بحق المشاركة في الانتخابات(التشريعية والمحلية والرئاسية و.. الخ) وحقه في الترشّح لهذه الانتخابات، والمشاركة في القرار السياسي من خلال انتسابه إلى الأحزاب والجمعيات والمنتديات المدنية والنقابات العمالية والمهنية، إضافة إلى حقه في تقلّد الوظائف العامة في الدولة، والحق في التجمع والتظاهر السلمي.

وانطلاقاً من كل ما سبق، تعيش سورية هذه الأيام واحدة من أهم مقومات المواطنة، ألا وهي الانتخابات التشريعية لدورة برلمانية جديدة، بكل ما تحمله من معانٍ ومسؤوليات وحقوق متبادلة ما بين المُرشّح والناخب. فانتخابات مجلس الشعب تُعتبر حجر الأساس في بناء مجتمع يُفترض أن يقوم على أسس ديمقراطية علمانية وقانونية، تنهض به من تحت ركام حرب أجهضت الكثير مما حققه المجتمع على مرّ عقود، مثلما أنهكت وقهرت الإنسان بكل الأبعاد المتنوعة والمفجعة بآنٍ معاً.

غير أن ما جرى في الدور التشريعي السابق الذي عايش الأزمة السورية بحربها الممتدة منذ سنوات خمس، ترك الناس يسبحون في بحور من الخيبة والمرارة لما لاقوه خلال هذه السنين، وخلال هذا الدور التشريعي الذي لم يتصدَّ لأية مشكلة تعرّض لها المواطن، كالغلاء أو البطالة، أو التراجع عن الكثير من المكتسبات التي حققها في أعوام سابقة، كالدعم الحكومي للعديد من السلع الأساسية والضرورية لشرائح واسعة من المواطنين الذين يقبعون اليوم تحت خط الفقر العالمي.

ولا يفوتنا عدم تصدي أيّ من النساء الفائزات بعضوية البرلمانات السابقة عموماً، وفي الدور المنتهي خصوصاً، لأيٍّ من القضايا والهموم التي لازمت وتلازم عموم نساء سورية، وعلى الأخص رفض مجلس الشعب في دورته السابقة مناقشة تعديل قانون الجنسية السوري، بما يسمح للمرأة السورية المتزوجة من غير سوري منح جنسيتها لأبنائها، رغم أن المشروع المقدّم جاء بعد مخاض عسير وجهد عظيم من المنظمات النسوية والناشطات السوريات اللواتي عملن بدأب سنوات طوال كي يصلن إلى هدفهن من التعديل، فقد رُفضت مناقشة المشروع في المجلس، وسط صمت مطبق من البرلمانيات اللواتي وصلن إلى البرلمان عبر نظام المحاصصة (كوتا).

وهذا ما يُشير إلى أن غالبية النساء الموجودات تحت قبّة البرلمان إمّا لا يكترثن بقضايا المرأة ومعاناتها، وإمّا أنهن لا يعرفن كل تلك المسائل باعتبار أنهنّ عُيّنّ تعييناً في قوائم ولوائح أوصلتهن إلى البرلمان دون أن يكُنّ مؤهلات لما هو مأمول منهنّ.

من هنا، نطالب بأن تكون المرشحات للمجلس نساء خضن تجارب كافية تؤهلهن لتلمّس مشاكل المرأة وقضاياها الشائكة والعالقة منذ عقود في الدولة والمجتمع. إضافة إلى أننا نريد أن يكون لنا الحق في انتخاب من يمثلنا بشكل حر بعيداً عن القوائم الجاهزة والمضمونة، بحيث لم يعد لرأينا أو حقنا في الانتخاب أيّة قيمة، بمعنى أن نتيجة الانتخابات تحصيل حاصل، وما هي إلاّ شكليات تفترضها القوانين والتشريعات ومبدأ المواطنة القائم على عكاكيز هشّة.

العدد 1104 - 24/4/2024