الإخلاص قيمة أخلاقية عظيمة

 ثمة طروحات ومناقشات واستفسارات دائمة تبحث في طريقة تعاطي كل من الجنسين مع قضايا هامة وحساسة تمسُّ جوهر الشخصية وعلاقتها بمحيطها اجتماعياً وثقافياً وقيمياً، إن كان على صعيد الإخلاص، أو الثقة وما شابه من قضايا.

فمثلاً هناك من يطرح تساؤلاً حول: هل المرأة أكثر إخلاصاً من الرجل..؟!

وتأتي الإجابات والآراء متباينة، فمنهم من يقول إن المرأة أكثر إخلاصاً من الرجل بفعل تركيبتها النفسية والعاطفية، وأيضاً من خلال أمومتها التي تطغى إلى حدٍّ ما على كل ما عداها من أمور، فغالباً ما تمنحها هذه الأمومة الوفاء والإخلاص لأبنائها، وبالتالي ينعكس ذلك على علاقتها بالرجل، فتكون مخلصة له أيضاً بالنسبة ذاتها من إخلاصها لأمومتها، بينما هو لا يُعير هذه المسألة اهتماماً كبيراً، إذ نراه يحب أو يتزوج ثانية دون مراعاة لأبوّته وواجباته إزاء تلك الأبوّة.

المرأة، حتى إذا ترمّلت أو طُلِّقَت، في كثير من الحالات ترهن ذاتها وكيانها بالكامل لأبنائها والعناية بهم، وفي أحيان أخرى إخلاصاً لذكرى زوج رحل عن عالمها الدنيوي.

بينما هناك من يقول إن هذه الأمور نسبية لدى الجنسين، وهذه القضايا الحساسة لا تخضع لمقياس حرفي للمصطلح وإنما لعوامل نفسية وظروف محيطة تجعل من أحد الطرفين في معادلة العلاقة بينهما أكثر إخلاصاً من الآخر، لكن هذا لا يلغي إخلاص هذا الآخر في مواقف ومسائل أخرى.

وهناك فريق آخر يجد أن التربية الاجتماعية المضمّخة بالقيم والتقاليد السائدة تحاول إبقاء المرأة مقيّدة دائماً في (حرملك) العيب بشكل أزلي وفعّال أولاً، ومن ثمّ واجب الاهتمام بالأسرة والأهل، ولاحقاً بالزوج والأولاد والتفاني والإخلاص لهم بما لا يترك أمامها متسعاً للتفكير بقضايا تحتل عند الرجل حيّزاً أكبر، فالتربية الأسرية والاجتماعية والدينية ذاتها تمنح الرجل حرية شبه مطلقة وتفسح أمامه المجال رحباً للكثير من الممارسات التي تحرّمها على المرأة وتجرّمها لو ارتكبت إحداها. فالمرأة تبعاً لأصحاب هذا الرأي تُخلص نظراً للقيود الاجتماعية والأسرية، التي تُحتّم عليها أن تظهر بصورة معينة للحصول على تقدير المجتمع ورضاه.

وإذا نظرنا إلى الموضوع من هذه الزاوية، فهل يمكننا أن نقول المرأة أكثر إخلاصاً من الرجل بالمعنى الحرفي..؟

لكن، علينا ألاّ نُغفل مسألة هامة وأساسية، وهي أن الإخلاص قيمة أخلاقية بالدرجة الأولى، إضافة إلى أنها صفة تلازم الإنسان عامةً رجلاً كان أم امرأة، وهي لا ترتبط فقط بالعلاقة بين الجنسين، بل تمتد إلى كل مناحي الحياة بعلاقاتها المتشابكة سواء في العلاقات الاجتماعية أو المهنية أو حتى السياسية والدينية و.. و.. الخ، فالإخلاص للعمل أو الوطن مثلاً ربما يُعتبر قمة الإخلاص، والإنسان الذي يتمتع بتلك القيمة رجلاً كان أم امرأة يكون مخلصاً في كل شيء، في عمله، وفي علاقاته الاجتماعية والإنسانية وكذلك الزوجية، وقد تتسم سلوكيات المرأة بنسبة أكبر من العاطفة تجعلها تبدو أكثر إخلاصاً، لكن هذا لا يمنع من وجود نماذج من الرجال غاية في السمو والإخلاص.

العدد 1105 - 01/5/2024