إيزيـس… وآلهة الإخلاص

لا يوجد لدى الفراعنة أكثر من الأساطير التي يخلدونها بما يحوز تقديرهم وإعجابهم، ومن ضمن هذه الأساطير(أسطورة إيزيس وأوزوريس) وهذه الأسطورة على الرغم من أنها صراع بين الخير والشر في الأساس، إلاّ أنها أيضاً تُعَدُّ آية من الآيات التي تخلّد قصص الحب والإخلاص.

فقد قدمت إيزيس أشد أنواع التضحية والإخلاص لحبيبها أوزوريس، وفي هذا مثال على الوفاء والتمسك بالمحبوب، حين قامت بتحدي الموت، واستطاعت أن تستعيد محبوبها من يد الموت، ولم تستطع أن تبلغ منيتها إلاّ بما وقر في قلبها من حب حقيقي ووفاء صادق وإرادة ثابتة لم ينل منها طول البحث أو عناء الطريق، ولا اعتراض الخصم والعدو الذي لا يستهان به، ولكن المحبة الصادقة استطاعت أن تتغلب على الشر وتثبت وفاءها لمحبوبها بعد أن نال منه العدو ليس بالموت فقط، بل وبعد أن مزق جسده بقيت مخلصة ووفية له.

أما الآن، ونتيجة للتطور ودخول التكنولوجيا إلى حياتنا، وسوء استخدام الكثير من وسائل التواصل لأسباب تلبي رغبات الكثيرين، جنسية أو مادية، ونتيجة طبيعية للحروب الدائرة في بلداننا العربية، التي هدمت الكثير من الأخلاق والقيم، وانتشار أساليب منافية للمنطق والفهم، بات عدم الوفاء وعدم الإخلاص شيئاً أقل من طبيعي لدى الكثير من جيل الشباب، مع الأخذ بعين الاعتبار أنهم يبررون تصرفاتهم غير المقبولة ويتشبثون بها!!

أمّا ما يطرح في أذهان الكثيرين والذي نجده دائماً موضع جدل كبير بين الجنسين عن ماهية أيهما أكثر إخلاصاً..؟ فما يمكن قوله بعيداً عن الدفاع عن المرأة إن نسبة كبيرة جداً من النساء ترفض الخيانة والغدر وعدم الإخلاص، وذلك لأن عاطفتها طاغية على عقلانيتها في أمور الحب، فضلاً عن وجود الخوف لديها من سوء فهمها أو من النظرة الخاطئة إلى تصرفاتها وخاصة في مجتمعاتنا الشرقية، لذا ترغب أن تبدو دائماً بأجمل مظهر وأرقاه أمام الجميع، وعلى أنها الملاك الذي لا يخطئ، وحتى لو أخطأ فذلك في سبيل الحب والوفاء والإخلاص للحبيب. فإخلاص المرأة جزء من تركيبتها النفسية وطبيعة أنوثتها الرقيقة وليس شيئاً مصطنعاً.

أما من وجهة نظر أخرى فإن الكثيرين يرون أن الإجابة الحاسمة في مثل هذا الموضوع تشكل خطأً كبيراً، وذلك بسبب أن مفهوم الإخلاص يختلف من مجتمع إلى آخر ومن بلد إلى آخر، فقد نجد أن الرجال مخلصون أكثر من النساء في مجتمعات تختلف عن مجتمعاتنا من حيث القيم والأخلاق ونمط العيش.

وبناءً على أن لكل قاعدة شواذ، فقد أوضحت اختصاصية نفسية أن التركيب البيولوجي والنفسي للرجل يقبل التعددية في العلاقات، فهو مثلاً يستطيع أن يتزوج أربع نساء ويشعر في قرارة نفسه أنه مخلص لهن جميعاً، وذلك وفقاً لمقاييسه الخاصة. أما المرأة بحكم تكوينها النفسي والبيولوجي فهي لا تقبل هذا المبدأ، فالمرأة يكفيها رجل واحد تقف حياتها عليه وتخلص له، ومن ذلك يكون إخلاصاً لبنيتها ولأبنائها ولوضعها الاجتماعي. وأضافت الاختصاصية قائلةً: ما نستخلصه هو أن مشاعر المرأة وأسلوب تكوينها يجعلانها أكثر إخلاصاً من الرجل. ولكن لا ننسى أن لكل قاعدة شواذ لدى الجنسين. كما أن الإخلاص صفة تلازم الإنسان سواءً كان رجلاً أو امرأة. والإنسان المخلص يكون مخلصاً في كل شيء، في عمله وفي علاقاته الإنسانية والاجتماعية والزوجية، مشيرةً إلى أن الأمر نسبي لا يمكن البت فيه، مثلما أن العلاقات الشخصية والإنسانية نسبية. لذا ليس هناك شخص مخلص بشكل كامل.

العدد 1105 - 01/5/2024