قائمة الطعام

الحمل وحده، ينطح برأسه الذي لم تنبت قرونه بعد، خرقة حمراء متدلية من وسط الزريبة، يدخل المرياع ويزجره.
المرياع : ما تفعله لا يليق بخروف، هذه الحماقات تخص الثيران (ينظر إليه بغضب).
الحمل: ما المانع، مادام لي قرون، آه لم تنبت بعد، فلا مانع من أن ألعب مع الخرقة الحمراء.
المرياع: قرن عن قرن يفرق.
يتوقف الحمل عن اللعب، ويسأل المرياع وكأنه بيّت نية مكر في سؤاله.
الحمل: أيها السيد المرياع، ما الفرق بين الذئب والإنسان؟.
المرياع، وقد انتصب صوفه كأنّه أشواك قنفذ: ماذا؟ ما هذا السؤال؟ وكيف تقارن بين الإنسان والذئب؟ ما هذا التجديف والهرطقة؟
الحمل: أنت قلت، اسألوا أي سؤال أجيبكم عنه في درس الصباح!؟.
المرياع: الإنسان يعتني بك، يؤمن لك المأوى، يحضر لك الطعام أو يسوقك إلى المرعى، يحضر ولادتك، ويجلب الطبيب لك إنْ أصابك مرض، يشرب من الحليب الذي ترضعه، ويكاد أن يكون أخوك في الرضاعة، يجز لك صوفك، فتشعر بالانتعاش في الصيف وينسجه ويحيكه ألبسة له وكأنه يقول لك: أنا خروف مثلك وأكثر، يجعلك أضحيته الأغلى على قلبه عندما يقدمك لإلهه وأنت تزين موائده وترفع رأسه قدام أصحابه وفي أفراحه وأتراحه، وبعد كل هذا تسأل أيها الحمل الجاحد؟ ما هذا الجيل، إنّ سؤالك من علائم يوم القيامة!؟
الحمل: والذئب يأكلني فالنتيجة واحدة!
المرياع: أيها الجاحد لنعمة أنت لا تعرف أبعادها، الذئب ينقض عليك يمزقك إرباً، ولا يهتم لثغائك ولا يذرف دمعة عليك، وأقول لك: إن المرياع الذي خلفته في قيادة القطيع، قد بكى عليه، أولاد المزارع الذي يعتني بنا، رأيت دموعهم، تترقرق وأنا أُقاد للذبح، أي رثاء عظيم ناله المرياع السابق؟ كم أتمنى أن أتحصل ولو على قليل من الدموع.
الحمل : الذئب واضح لا يراوغ، أما الإنسان فهو يستغلني حتى آخر صوفة من جسدي. ولا أفهم المثل: أمكر من ذئب الصحراء، بل يجب أن يقال حتى يتفق المعنى مع الواقع: أمكر من راعٍ.
المرياع: أيها اللعين (وهجم على الحمل يريد أن ينطحه، هرب الحمل من وجهه واختفى بين أكداس الحشيش).
***
كان ما حدث كافياً، حتى يفرّ الحمل، يحمل على ظهره زوادة من حشيش، إلى خارج المزرعة ويتوغل في الغابة.
الحمل: أخيراً لن أكون لإنسان ماكر ولذئب واضح، سأعيش إلى أن أهرم، مجتمع الخرفان لا يملك الحكمة لأنه لا يملك عجائز لم تعد تهمهم معاشرة الفطائم الصغيرة، ولا أن يدخلوا في مناطحة لمن يقود القطيع. ولربما أعود يوماً إلى الزريبة وأقود ثورة تجاه هذا المرياع الأحمق العبد.
وبينما هو سارد في أفكاره، ينقض عليه نمر ويثبته بين مخالبه.
الحمل: أنت لست ذئباً، فلماذا تفعل ذلك؟ ألا تعرف أن تقليد غيرك يجعلك تخسر شخصيتك؟ أم أنت ضعيف لدرجة تريد أن تقلد الغالب لأنك مغلوب؟
يتراجع النمر عن نهش رقبة الحمل، ولكن يتركه بين مخالبه.
النمر: ماذا تقول أيها التافه، أنا النمر الذي بضربة من مخلبي اليميني، أطيح بهذا الكلب الذي تدعونه ذئباً.
الحمل: جيد هذا الكلام، فلماذا تريد أن تأكلني وأنت لست ذئباً؟ ولم يدرسونا إلا عن البشر والذئاب.
النمر: أيها الحمل اللذيذ – يبتسم الحمل ويعد هذا الكلام بادرة حسن نية – إن علمك ناقص، وهذا دأبكم عبر التاريخ أيها الحملان، قسمتم الكون إلى نصفين، بشر وذئاب، ولا تعرفون غير ذلك. ولكن أقول لك: أنا النمر، وأعرف قائمة طعامي جيداً.
الحمل: قائمة الطعام، أعتقد قائمة طعامك تتضمن الثيران لا الحملان.
النمر: أنت عندما تنتهي زوادتك هذه من العشب اليابس ماذا تفعل؟
الحمل: سآكل العشب الأخضر، وأيضاً الأوراق.
النمر: وأنا انتهت زوادتي من الثيران.
الحمل: ولكن…
النمر: اسمع، سأخبرك الحقيقة التي يقوم عليها الكون، وهي قائمة الطعام، يتوضع الإنسان في رأسها وفي أسفلها يأتي العشب ومن ثم الحيوانات العاشبة، ومن بعدها نحن. وهذا القانون سار منذ الأزل.
 تقرقر أمعاء النمر ويبلع الحمل ريقه الجاف.

***
ينظر الولد إلى صفحة الأطفال بالجريدة، يتذكر دموعه التي سقطتْ عندما ذبحوا الخروف في العيد، ويركض باتجاه أمّه ويصرخ: (وعلائم الفرح الكبير بادية على وجهه): ماما لقد نشروا لي قصتي في الجريدة!

العدد 1105 - 01/5/2024