تجليات…

ورم ثقافي

 قرأت في الحلم ذات ليلة كتاباً جاء فيه أن عرّافاً في زمن غابر، لم يبق لديه سوى أيام قليلة ويدخل في فترة الاستقبال،  وأحياناً يصبح خارج تغطية الذاكرة مع بقايا وحدات صوتية تكاد تكون هي آخر وحداته.

أراد أن يقنع أهل قريته بأنه يمتلك حدة رؤية زرقاء اليمامة، وأنه قادر على اختزال واختصار المسافات بصرياً وطيها كأهل الحظوة، كما يقال في المفهوم الشعبي. فهو العارف بكل أطياف الأدب العادي والشعبي، الحديث والمستعمل والمستورد والمقارن والخمس نجوم، وخفايا الأدب بدءاً من أدب سن الطفولة والمحير والشباب والشيخوخي. وصار يؤكد صوابية رؤاه المعرفية والفنية والصوريّة والأدبية بكل أجناسها ومايراه هو يجزم بأن غيره لايراه إطلاقاً.

فكل أهل قريته على حد زعمه يعانون قصراً في فهم أدبي وإبداعي، لأنهم والحديث له

(قُصَّر وفاقدو بصيرة البيان اللغوي وجمالية التصوير).

اقترحت عليه من زاوية الحلم الضيقة كضيق الورم الثقافي الذي احتله أن يُمكّن رؤاه المعرفية وتدوينها على طريقة برايل كي يصل أهل قريته وأبناء جلدته إلى مستواه المعرفي الرفيع، كيما يشعر هو بالغربة الأدبية بسبب توسع مخططه التنظيمي الأدبي و…  رن الهاتف بنزق، ولم أتمكن من إكمال بقية حلمي.

واقية

دفعني الفضول للوقوف في طابور لا أدري لماذا؟

تدافع غير مسبوق، وصلت إلى منفذ البيع وإذ به يبيع واقيات للأذن، ضحكت في سري.

سألت أحدهم لِمَ اشتريت هذه؟!

أجاب : أريد أن أريح عصبي السمعي من سماع أخبار القتل والتدمير وجرائم السلب والنهب والإرهاب المنظم.

وسألت آخر فأجابني قائلاً: لاتقاء شر البرد القارس وعدم دخول الغبار والعجاج فيها. أما أنا فمبرر شرائها :هو تجنب تشويه مابقي من ذائقة أدبية وفنية من غثاء شعري أو ما لا يشبهه إطلاقاً، وقد سمّي بحداثة الحداثة للهروب من فراغ المعنى، ضياع الصورة،  اختفاء الموسيقا. رجوت البائع قائلاً: أتمنى أن تحث المنتج على تصنيع واقيات لبقية الحواس.

ليلكي

ارتدى حزنه الداخلي ليظهره للناس، تشابه توءمي للون الداخلي والخارجي، تراكمات من الهم والحزن والحاجة والاغتراب كان بادياً للعيان في السفن الراسية في موانئ عينيه.

بداخله طفل لماح، ناضج الرؤية، يتفاعل مع الموقف وكأنه هرم لديه خبرة حياتية كبيرة يحلل الموقف ثم يسقطه على الواقع بطريقة غريبة. دمعه يعطيك الإجابة الفورية: أليست هذه من صفات الطفولة البريئة غير الملوثة، لم أكن أدري أن رهافة هذا الطفل المقيم في قفصه الصدري قادرة على التحرك وخلع بوابة المواجع لتنهمر من عينيه الدموع لمجرد سماع مأساة إنسانية، ودون أن يكون هناك أي سلطة لهدب العين وسواتر الجفن من القدرة على إيقافها ولجم فلول الدمع المنكسر، ليحكي بلغة شفافة وجديدة لغة إنسانية يترجم فيها حاجته إلى يد حانية وعين ترنو إليه بصدق الرؤى والمودة، لأنه يتيم الفرح يحتاج إلى دفء كي يتمكن من خلع الخوف المزمن الذي انتابه واحتله للتحليق في فضاء الحلم الجميل نحو درب يضج بمحبة ومودة وصدق.

العدد 1104 - 24/4/2024