ليس للشمس عيون ولا للأمطار ذاكرة

لا يضيق صدر الأرض حتى بأولئك الذين ضاقوا بها وزرعوا ترابها بالنار والبارود، إنها أوسع مما نتصور، وأعمق مما نتخيل، وأرحم منا علينا، إنها البيت الدافئ الذين سنعود إليه في نهاية المطاف.

ولا يضيق قلب الكريم بضيوفه، ولا الجبال تتعب من صخورها والثلوج المتراكمة فوق قممها، ولا البحار تكلّ وتتذمر من مياه الأنهار التي تصب فيها، ولاشجر يتعب من حماره، في حين تتكسر الأغصان اليابسة الخالية من الزهر، والفارغة من أي ثمر.

وتقتلع العواصف كل شيء يصادفها، رغم أنها لا تملك أظافر أو أنياباً. والصاعقة مهما قويت شدتها والتمعت نارها لن تصل إلى الجذوع الطرية النامية في ظلمة الطين والتراب.

ولا ينتظر من الخنافس وديدان الأرض أن تصمت وتكفّ عن نهش الجثث، ولا من الضباع أن تمتنع عن أكل الفضلات. ولا أحد بمقدوره أن يطلب من خفافيش الظلام أن تبقى في الضوء، ولا من كلاب النهار أن تتوقف عن النباح، ولا من الحشرات أن تمتنع عن الزحف وتسلّق أشجار الآخرين، ولا من الثعالب أن تكفّ عن سرقة طعام جيرانها وأصحابها القاطنين حولها.

وهل تتغير طباع الثعالب وإن أطعمناها السمن والعسل، وهل ينقلب الحمار حصاناً أصيلاً إذا ألبسناه سروج الأحصنة؟ وهل يصبح الكلام من ذهب إذا كتب بقلم من ذهب؟!

وتبقى الساق العرجاء الساعية في طريق الحق والعدالة، أفضل بكثير من الساقين السليمتين والأيدي القذرة الساعية لوضع الحجارة والتراب والعقارب والأفاعي في طريق الآخرين.

ولن ينقلب الغراب الأسود إلى حمامة بمجرد دهن ريشه باللون الأبيض، ولن تطير الأفاعي والثعابين مهما ابتلعت من أجنحة، والعتمة مهما اشتدت يكفي قليل من النور لمحوها، وليس للأمطار والثلوج ذاكرة ورغم ذلك لا تنسى أن تسقط خيراتها على الكبير والصغير، الغني والفقير، ولا للشمس عيون، لكنها ترى الجميع، ولا للسحب أجنحة، ولا للأنهار أرجل، ولا لثوران البراكين وارتجاف الزلازل ميعاد.

ومهما استطالت الذيول وصارت جميلة، وذات رائحة طيبة، تبق ذيولاً، ومهما صغر حجم الرأس، فسيبقى رأساً. وكثيرة هي الذيول التي انقلبت في هذا الزمن المر القاسي رؤوساً، كما أن قلة من الرؤوس ما زال محافظاً على رأسه ومكانه.

والأعمى قد يرى ببصيرته من دون ضوء، والمبصر دون بصيرة لا يرى وإن فرشنا طريقه بالضوء والورود.

العدد 1104 - 24/4/2024