لا يضيع حق خلفه دجاجة تنق

جلس فلاحان بعد أنْ هدّهما التعب من يوم فلاحة طويل، يقلب أحدهما قبضة من البحص الأملس في يده، والآخر يسقط حبات مسبحة مصنوعة من نواة حبوب الزيتون. يشربان الشاي الأسود المحلى جداً من سكر الإعاشة، دون أنْ يتبادلا الكلام، وكأنّ التعب نال من لسانيهما من كثرة ما صرخا على الثيران: هووو، رغم ما يقال عن أنّ اللسان عضلة لا تتعب، فلا جهد له ولم تحسب له النظريات الاشتراكية ولا الرأسمالية، حسبة في التنظير لقيمة العمل والقيمة المضافة.

ارتفع صوت دجاجة، مما يشير إلى أنّها قد باضتْ وبدأتْ في التنقل جيئة وذهاباً في الدار.

قال أحدهما: النقنقة أول خطوة في الألف ميل.

قال أحدهما: الدجاجة، لا تسكتْ عن أجرة عملها، فهي قبل أن يجفّ عرقها، تنقنق، تطالب بالذرة، فيما نحن، ننتظر، الموسم، الموسم كورقة اليانصيب، عليك أنْ تسترضي الآلهة لتنزل المطر، والجمعية الفلاحية  لتعطيك السماد. وأن تتوفق بتاجر لا يلعب بالبيضة والحجر وأن لا تقع تحت يد موظف المؤسسة الذي لا تصيبه الحساسية من كثرة ما يقلب المحصول، صارخاً: هذا تراب وليس بقمح!

قال أحدهما: علينا أن نكون كهذه الدجاجة، لا يضيع حق خلفه دجاجة تنق.

قال أحدهما: أو بيضة تُباض.

قال أحدهما: الدجاجة لا البيضة.

قال أحدهما: البيضة لا الدجاجة.

قال أحدهما: الدجاجة أولاً.

قال أحدهما: البيضة أولاً.

وارتفع الصراخ بين الفلاحين، مما أدى لفرار الدجاجة إلى حرف السور، ثم قفزت خارجاً، فكان الثعلب في انتظارها، قبض عليها بفمه وأرخى قدميه للريح، والدجاجة لم تعد تنق بل تبقبق بقبقة تصل إلى مسمع الفلاحين.

قال أحدهما: إنّه الثعلب.

قال أحدهما: تبقى البيضة، هي، إذاً، أولاً.

قال أحدهما: بل الدجاجة، فإن ذهبت الدجاجة، فلا بيض ولا من يفرحون.  

عبر الثعلب حقولاً والتجأ إلى أحد الأدغال، في حين كان الريش قد ترك علامات تدل على مكمنه عبر طريق هروبه.

ثبَّت الدجاجة بمخلبه وبدأ بنتف ريشها، وذيله يحركه يسرة ويمنة. وفجأة خطرتْ بباله فكرة، الذيل أم الثعلب أولاً؟ رفع الثعلب مخلبه عن الدجاجة وبدأ يدور حول نفسه، فاتحاً فمه ليقبض على ذيله، وهكذا إلى أن داخ وسقط على الأرض.

استغلتْ الدجاجة الفرصة وهربتْ واهتدت لطريق عودتها من بقايا ريشها المنتوف، الذي أخذت بجمعه وإلصاقه على جلدها العاري.

وصلتْ الدجاجة إلى دار الفلاحين اللذين مازالا يتجادلان، فصرخ أحدهما: ألم أقل لكَ الدجاجة أولاً؟

نظر أحدهما، فرأى دجاجة منتوفة لا يستر عريها ريش، وقال: الآن وجدتها، الدجاجة المنتوفة أولاً.

نظرتْ الدجاجة إليهما بغضب واتجهتْ نحو العشّ الذي وضعتْ بيضتها فيه وبدأتْ بنقرها حتى كسرتها.

العدد 1104 - 24/4/2024