من فمها إلى باب السما

يقولون إن دعاء المظلوم يصل، لأن باب السماء ليس موصداً.
وهكذا اعتادت  جدتي  على أن تطلق دعاءها على من يسبق الشيطان لأفعاله، وترى فيمن استهدفته دعوتها أنه ولد قبل إبليس بساعة!
وهي تراقب شاشة التلفاز، هالها اقتحام الغزاة الصهاينة باحات المسجد الأقصى، فتمتمت بصمت وانحنت على سبحتها العتيقة، كأن دعاءها مقاومة خفية تماهت في لحظة خاطفة مع حجارة بصيرة صفعت أرواح الغزاة. فهل قُدَّت من النار ليسعى بها الأثير فتطير، قلتُ شأنها كشأن شمس إن تعامدت وانحرفت، ولّدت ظلالاً، إذن ستأتيهم حجارتها السخية لتصدع قلوبهم الظامئة للحقد، فهناك  في المشهد  ينكفئون مثل كومبارس باهت الدور.
واعتاد الناس التبرّك بها، وأذكر أن أحدهم همس في أذنها: أريد دعاءك لأتزوج ممن أحببتها، وهمس آخر: لأتخلص من زوجتي الغيورة!
ثمة من وقف جانباً وقد أعيته الحيلة، لم تكترث الجدة بمن سألها، بل اقترب من ذلك الصامت: وأنتَ ألا تطلبُ دعاء مماثلاً؟!
نطق الرجل بكلمات غريبة عجيبة: لا أريد أن أموت، أريد أن أعيش عمراً مديداً، أخشى أن أكون وحيداً في جنازتي، هل من دعاء لإطالة الحياة؟!
ذات الثمانين حولاً، كأن على رأسها الطير، قطعت كل تلك السنين من عمرها ولم تفكر البتة كيف استمرت، ربما ثمة من دعا لها بطول العمر، لترى كل ما أرادته، أو تراها عاشت بأكثر من عمر؟!
بعيد زفرة طويلة، وشرود مقتضب، ونصف ابتسامة أبقت ظلها: جهرت للرجل بكلمتها: سأدعو لكلينا، ألا يجعلنا عبرة لغيرنا؟
 

العدد 1104 - 24/4/2024