أبطال من حديد

حين شاهدت على التلفاز حفل تكريم المرأة اليمنية توكّل كرمان وتسليمها جائزة نوبل للسلام، غمرتني دمعتي سعادة، وكتمتُ غصة في حلقي قهراً على الحال الذي وصلنا إليه، والذي لم نصل إليه بعد. نعم نستحق نحن بوصفنا عرباً! ونريد أن نستحق العيش بحرية وبكرامة وعلى أرض يعمها الحق والسلام والعدالة.

وتساءلت إن كنت ساذجة بذلك الشعور، أو أن دماغي (مشطوفة)، أو غشاوة ظللت عينيَّ وجعلتني أرى الأمور بمسارها الملولب. لأن كل فعل يستحسن من الغرب يقابله التشكيك بالنيات من العرب. فيتساءل هؤلاء: ما الذي يبيته العالم الغربي المتحضر بكل المقاييس لنا؟ حين يكرمون امرأة مسلمة ومحجبة؟ لماذا لم يتعصبوا لتحررهم ولعلمانيتهم؟ لماذا لم يقولوا لها: اخلعي هذا الشيء الذي تغطين به شعرك الجميل كي نرضى عنك؟ وهل هم بالفعل يرون العقول ويسبرون أغوارها حتى لو تغطت الرؤوس ؟ هل يكتشفون الفرق بين حجاب وآخر؟ بين حجاب متعصب بما وراءه، وآخر وراءه عقل منفتح يستقبل ويرسل الوعي والتحرر الذهني على كل الأصعدة، لتقصّي الحقائق المنطقية التي تمنع عجلة الزمن من التقهقر والتكسر تحت ظل الغيبيات، والأساطير، والتفاسير الفردية المتناقضة بين هذا وذاك، وزمن وآخر.

توكّل كرمان، وقفت بشموخ الملكات الذي ورثته عن جدتها بلقيس، تروي للعالم كله قصة المرأة اليمنية التي تقف إلى جانب الرجل في الثورة السلمية ضد الظلم والطغيان، لاسترداد الكرامة والحق المسلوب.

ولا أعلم إن كان هناك مرشح إسرائيلي لتلك الجائزة أم لا،فعلى مدى تاريخ طويل لم تخل هذه المنافسة من أحدهم. فتتحفنا المواقف الثابتة بانسحاب العرب منها في كثير من المناسبات.

لأكثر من مرة حمل بعض المخرجين العرب عدّة المواجهة والمنافسة الشريفة،وما جهدوا شهوراً في سبيل إظهاره للناس من أفلام سينمائية طويلة وقصيرة،واقعية ومفترضة،وما تحمله من أفكار تدعم القضايا العربية تريد إيصالها إلى العالم، حملوها يكللهم الأمل، واتجهوا بها نحو المهرجانات العالمية كي يثبتوا جدارتهم وقدرتهم على الإبداع والتميز في هذا المجال. لكننا واأسفاه نفاجأ نحن الذين ننتظر النتائج، باتخاذهم المواقف الوطنية المناهضة، ومقاطعتهم للمهرجانات وانسحابهم بسبب مشاركة إسرائيل فيها.

وهناك أمثلة كثيرة عن أبطال الرياضة العرب الذين تخلَّوْا، أو تخلين، عن حلمهم وعن حلمهن في الحصول على الميداليات الذهبية على مستوى العالم لمجرد وجود إسرائيل مشتركة أو تقف أمامهم نداً لند. فها هي ذي (عزة بسباس) بطلة إفريقيا تعلن انسحابها من مواجهة اللاعبة الصهيونية (ناعوميميلس) في التصفيات النهائية في إيطاليا، بعد فترة قصيرة من انسحاب الجزائرية (مريم موسى) أمام المصارعة الصهيونية أيضاً (شاهار ليفي) في البلد نفسه.

أما اللبناني الذي يحمل الجنسية البريطانية، وقد تغلب على منافسه اليهودي، ثم حمل بمبرر واه علم المقاومة اللبنانية، لا علم بلده الأشمل لبنان، فقد أظهر بذلك وطنية منقوصة، ما قلل من مشاعر اللبنانيين للفخر به..

ومؤخراً ظهرت السيدة سهى عرفات ،أرملة المناضل الراحل رئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات على التلفاز، وبعيون دامعة، تحدثت مفصلاً عن فيلم يحكي حياة زوجها، ومواقفه النضالية وجرأته بالاعتراف بدولة إسرائيل. والمفاجأة هي أن الفيلم سيخرجه يهودي إسرائيلي! أي أنه على حد قولها يتخذ الموضوعية في مجريات الفيلم، أما غير الموضوعي ربما فهو إدلاؤها بتصريح كهذا!

كلنا يقدر المواقف الوطنية الممانعة المناضلة المدافعة عن كل شبر من الأراضي المحتلة.

 لماذا ينسحب العرب بوجودهم التاريخي الأرسخ، فلينسحبوا هم بوجودهم الواهي إن شاؤوا.

فكلما زاد التواري زاد الاندثار، بل على العكس أيضاً ربما حين يكون منافسي عدواً، زادني ذلك عملاً وإصراراً على النجاح لفضح إخفاقه. وفخر للعرب أن يؤكدوا جدارتهم، إما من خلال الفوز بدنياً في المنافسات الرياضية، أو معنوياً في المهرجانات الأدبية، أو السينمائية، وحتى الدرامية. وفي حال لم نفز، فعلى الأقل يستطيع كل عربي مشارك أن يوصل إلى العالم كله أفكاره وقضاياه الإنسانية العادلة التي يجاهد بكل السبل لبثها في الإعلام والمؤتمرات السياسية. فلتكن هذه أيضاً وسيلة أخرى نستغلها، لتفرض نفسها على جميع المجتمعات بتلقي المواجهة والرد عليها. وليكن الوجود الحقيقي في النهاية للأقوى دائماً، ولو بعد دهور تخلو.

العدد 1104 - 24/4/2024