عنوان مؤجَّل

لم أحسب الزمن جيداً ذاك اليوم، واعتمدتُ على خبرتي القديمة التي بدت باهتة، ضاعت بين دهاليز أفكار خائبة. فخرجت من اتحاد الكتاب في المزة أحمل في جعبتي بعض الأمل الخريفي، بأنني سأصل إلى البيت في الوقت المحدد، وأتناول الغداء ثم أنهي قيلولتي، وأسارع إلى مكتبي كي أنجز أعمالي المؤجلة. وأبحث في مفكرتي عن عنوان ضائع أحتاج إليه في الغد.

لقد حققتُ انتصاراً كبيراً في هذه الظهيرة، فقد استطعت أن أجد مكاناً لقدميَّ في باص النقل الداخلي المتجه إلى ساحة العباسيين. وأطلَّت الرحمة من شباك الباص، وحللت ضيفاً على مقعد منفرد بعد أن تركه الرجل- دون طلب تعويضات- إلى حين وصولي إلى السادات، إذ ركبت في حافلة ثانية، ثم في ثالثة ووصلت إلى منطقة سكني بخير.

المسألة ليست في هذه المتاعب اليومية التي اعتدنا عليها في العقود الماضية، بل وأُصبنا بمرض الإدمان المزمن.. ومن الصعب أن نتخلّى عن ذلك بسهولة. فقد أصبحت هذه العادة جزءاً منّا وتجري مع الدماء في عروقنا!

الغريب في الأمر، بل المدهش المثير للتساؤل: كيف أثَّرت الأزمة السورية على الأطفال؟ وكيف أصبحت هاجساً يومياً مكتنزاً بالخوف من التشرد والضياع والقلق على مصيرنا ومصير الوطن!

طفلان عائدان من المدرسة يتلكآن في المشي.. الأول (النحيف) يأكل البسكويت، سأل رفيقه: هل البسكويت صناعة محلية أم مستورد؟

أصغيتُ بشوق إلى الحوار الدائر بين الطفلين، ولفت نظري أن الثاني(السمين) أجابه قائلاً: إنه من تركيا العثمانية.. ويمكن أن تكون آخر علبة خرجت من مستودع تاجر يحتكر السلع. وقال الأول الذي يدحرج بقدمه قنينة بلاستيكية فارغة: أنا مع تركيا المعارضة.. وأستمع إلى العرعور والفضائيات المعارضة!

انقسم الطفلان بين معارضٍ وموالٍ .. وظهرت بوادر الشر في عيونهما. وتشابكا بالأيدي وأعلنا بالصوت العالي التهديد والوعيد.

حاولت فكّ الاشتباك وإنجاز المصالحة الوطنية، لكنني فشلت، رغم أنني طالبتهما بتنفيذ اقتراح الموفد الأممي والإقليمي الأخضر الإبراهيمي، بإيقاف إطلاق النار في فترة عيد الأضحى المبارك!

 وطيبت خاطرهما ودعوتهما إلى مقهى شعبي على فنجان شاي، ووافقا على المصالحة بشرط واحد، وهو أن أقدم لهما شرحاً وافياً عن الحوار الساخن الذي جرى بين الإبراهيمي وحمد بن جاسم آل ثاني.

قلت: أثناء زيارة الإبراهيمي إلى مصر، المتوافق مع انعقاد اجتماع وزراء الخارجية العرب، زار الإبراهيمي في مقر إقامته السيد النبيل العربي. ونقل إليه أن رئيس وزراء ووزير خارجية قطر ينتظره في الفندق. فردَّ الإبراهيمي غاضباً: من يردْني فليحضر للقائي، وأما أنا فلن أذهب إلى لقائه. وبلَّغ العربي السيد الوزير، فجاء متجهّم الوجه والحقد يغطي سمرته. وقال له الإبراهيمي: (إذا كنت تحضر وأنت منزعج، فمن الأفضل ألاَّ تأتي، لكني أريد أن أفهمك عدة أمور هي:

وقال أيضاً:

تيقَّن الطفل المعارض من صحة الأقوال، وأن أعداء سورية هم الذين يُصدِّرون إلينا الإرهابيين والتكفيريين.. وحدد الطفلان موعداً للتفاوض حول مائدة الحوار باعتباره الحل الوحيد، ولا حل آخر سواه!

العدد 1104 - 24/4/2024