لا ارتقاء لمجتمع شبابه مُعطّل ومُغيّب

 يُعتبر الشباب في أيّ مجتمع الرقم الأهم والأساس في معادلة المواطنة والتنمية والإبداع على مختلف المستويات، بما يملكونه من مرونة الفكر والعقل القابل لتشرّب كل جديد، إضافة إلى المحاولة الدائمة لابتكار أساليب وأنماط جديدة من حيث التعامل مع قضاياهم الخاصة أو قضايا المجتمع العامة.

فالشباب إذاً ثروة وطنية هامة هي أثمن من باقي الثروات الأخرى التي لا يمكن لها أن ترى النور أو ترتقي بالدول بعيداً عن استثمار طاقات الشباب الذين يشكّلون في المجتمعات العربية ما نسبته 60% من مجموع السكان، وهذا ما يمنح تلك المجتمعات إمكانية التجدد والتطور والوصول إلى مستوى المجتمعات الراقية، لو تمّ تفعيل دور الشباب بشكل جاد وحقيقي، من خلال إشراكهم في عملية صنع القرار، واستغلال قدراتهم المتنوّعة في عملية التنمية المستدامة على مختلف المستويات، وكذلك منحهم الثقة الأكيدة والراسخة بإمكاناتهم وأنفسهم، عبر تأمين احتياجاتهم كافة، وخلق الفضاء الملائم لهم نفسياً ومادياً(أفراداً وحكومات) سواء على مستوى الأسرة أو على مستوى الدولة.

لكن وللأسف، نجد أن الشباب ما زالوا يقبعون في خانة التهميش والتغييب إلاّ فيما يخدم مصالح الحكومات الآنية التي تتطلب وجود الكم الذي يُرجح كفة بقائها في سدّة الحكم إلى أمد طويل، رغم الواقع العربي المؤلم الذي وصل درجة التقهقر والانحطاط في معظم مناحي الحياة بسبب ارتفاع معدلات الفقر والبطالة، وانخفاض نسب قبول الشباب في الجامعات الرسمية لصالح الجامعات الخاصة وأصحابها من ذوي السلطة والجاه، وبالتالي ارتفاع نسب الأمية الأبجدية والمعرفية والعلمية، وسيادة مظاهر التديّن العقيم والتطرف والعنف، مقابل التصدي للفكر العلماني الذي يناهض كل تلك الأمراض التي يُعاني منها المجتمع عامة، والشباب خاصة.

إن هذا الواقع المستمر منذ عقود وأجيال، ترك الشباب في مهب رياح الخيبة والضياع والتشتت، والانجراف في تيارات العنف الحالية التي ذهبت بمقدرات البلاد والعباد، فتاهوا في مجاهل الحياة، وفقدوا الرغبة والقدرة على الانتماء حتى لم يبقَ أمامهم طريق آخر غير هجر أوطان ضيّعت أبناءها فضاع وجودها بين الأمم.

العدد 1105 - 01/5/2024