الشباب بين الأحلام والحقوق

 كم تحرجني الكتابة عن جيل الشباب في مجتمعاتنا العربية، فالشباب تلك القلوب والعقول التي تحلم بالكثير، وينكسر دائماً حلمها في مواجهة الواقع الصعب، واقع ندرة العمل، وقساوة شروط وظروف الدراسة في كل مراحلها، وصعوبة تأمين الحياة الكريمة، وتكوين الأسرة المستقرة ماديا ومعنوياً، والعجز عن إبداء الرأي والتعبير، رغم أن تلك الأحلام هي من الحقوق الطبيعية للشباب في أغلب المجتمعات، بينما تبقى أحلاماً في مجتمعاتنا.

جيل الشباب هو العقل المنفتح المستعد لتقبل الأفكار الحضارية المتجددة، والمواكب لتغيراتها دائماً، دون الارتباط برواسب الموروثات الثقافية الدينية والسياسية، هو الجيل الذي يسخر دائماً من الواقع المتخلف ويتطلع من خلال ثقافته المكتسبة من تجارب الشعوب المتحضرة، نحو المجتمع الأفضل، الذي يجب أن تكون مزاياه ومواصفاته تشابه المجتمعات الأخرى الناجحة في كلّ المجالات.

ويرفض الشباب دائماً فكرة التقوقع خلف الموروثات المعطّلة لحركة التطور الاجتماعي مع تطور الزمن. ويتضح للشباب دوماً عجز التفكير المتوارث عن خلق مجتمعٍ حضاري، فصار لديهم رموزاَ سياسية في الثورة والتغيير، يقتدون بهم للوصول إلى مجتمع مثالي في السياسة والاقتصاد والعلوم.

لزمنٍ طال انتظاره، يئس جيل الشباب، من التحرّك الفعّال نحو التغيير السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي طالما كانت تتلاحق به الوعود من السياسيين والمفكرين القدامى، الذين أمضوا معظم حياتهم على منصات الخطابة والمهرجانات، يتكلمون حول نظريات التغيير الاجتماعي للأفضل، بينما لم يبدأ أحدٌ منهم السير خطوة واحدة في هذا الطريق.

إن توازن الأفكار السياسية المحلية، وتفاعلها مع الأفكار العالمية المتقدمة، وإغنائها بالتبادل الثقافي الديمقراطي المتحضّر فعلاً، والانفتاح على المشاركة الفعلية بين أفكار المجتمع المحلي والمجتمعات المتطورة في المنظومات السياسية، هي حلم الشباب وهي المطالب التي يرغبون بتحقيقها ويعملون لأجلها، ويطالبون بحرية تبادل الأفكار والتعبير، وتنمية المبادرات السياسية والاجتماعية الصحيحة لكل مكونات المجتمع.

كان هذا الجيل دائماً محطّ تقييد الأفكار المتخلفة المعيقة لتطلعاته، التي تحاول وأد تفكيره بحجة عدم انفلات جيل الشباب من الموروثات الدينية والاجتماعية والسياسية، ومما يزيد الطين بلةَ أن رجال الدين يحاولون إقناع الشباب بالفكرة الدائمة(وأطيعوا أولي الأمر منكم) أي أطيعوا التعليمات والتوجيهات السابقة، وعدم التفكير بما يخالف ذلك.

من الميزات الايجابية لجيل الشباب إنهم ينجزون العمل الموكل إليهم دون تردد، وفي نفس الوقت يفكرون في العمل القادم الذي سيقومون به، ويفكرن بنمط جديد للحياة يلبي احتياجاتهم المادية والمعنوية، ويستفيدون من الأخطاء التي يقعون بها لتجاوزها بشكل تقني مدروس في المستقبل، ومواصلة السير في طريق إنجاز الأعمال التي تؤدي إلى التنمية الصحيحة للمجتمع والدولة.

الفكرة الأساسية لنشاط الشباب تقوم على بناء حياتهم بقواهم وقدراتهم الخاصة في أي مجال عمل قد يتخصص ويبدع به كل منهم، وبالإضافة على ذلك يمكنهم العمل في أكثر من اتجاه واختصاص، لتعدد مهاراتهم وقدرة التحمل المعنوية والجسدية لديهم.

كما يملك الشباب بشكل عام الكثير من المواهب والميول والرغبات، مثلما لديهم حب التجربة والبحث والاطلاع، والشاب لا يتوانى عن السير في الطرق الوعرة، الممتلئة بالموانع والعوائق الموروثة فلا يصعب عليه التحمّل، يواصل الطريق بعناد ومثابرة، متحدياً الكثير من القضايا والمشاكل التي تحاول عرقلته بمفاهيم غير صحيحة تفرض عليه من المتخلفين فكرياً.

إنما ما يثير القلق دائما هو تضخم مشكلة البطالة، حيث يبقى ما يقارب من نصف تعداد الجيل الشاب خارج فرص العمل، رغم حصولهم على المؤهلات المهنية والدراسية، بينما الدولة تكون دائما عاجزة عن إقامة المؤسسات التي تستوعب تلك الطاقات الشابة، وقد يكون السبب في ذلك غالباً سوء التخطيط الصحيح، رغم أن الخبراء الاقتصاديين يتكلمون عن تطور الدولة والمجتمع لو تم الاستفادة من عمل كل المهارات الشابة.

العدد 1105 - 01/5/2024