الخراف والفيسبوك

لا يستطيع أحد في هذا العالم أن ينكر إبداعاتنا المتعددة، مع تعدد مجالات الإبداع، فالأفكار الجديدة تفرض احترامها على القارئ، مهما كان اتّجاه تفكيره في حال تمّ تناولها بشكل مختلف ومغاير ومفاجئ. وإذا كانت السخرية من أكثر الأنواع الإبداعيّة جذباً لانتباه المتلقّي، وذلك لما تحمله من قدرة على صنع الابتسامة، وخلق حالة من الانشراح، أو على الأقلّ نقل المتلقي إلى حالة أكثر أريحيّة، فإن فنّ الكاريكاتور يتصدّر الفنون الساخرة، لما يخبّئ بين خطوطه من اعتراض لواقع ما، ينعكس على شكل لوحة فنيّة مفعمة بالسخرية المرّة.

ومع اقتراب عيد الأضحى المبارك، أعاده الله علينا وعليكم وعلى الوطن بالخير واليمن والبركة، يتسابق فنانو الكاريكاتور إلى تناول هذه المناسبة بطريقة تعكس ما تعانيه بلادنا من مآسٍ تجعل من العيد فرحة ناقصة، ومناسبة حزينة. هذا في ما يخصّ بني البشر. أما أضاحي العيد من أصحاب الألايا والأذيال فوضعها مختلف، فمن خروف يضحك، إلى معزى تغني، إلى ثور يستعرض مهارته في الرقص، كل ذلك وأكثر نجده بين صفحات الجرائد، وعلى الشاشات الفيسبوكية ومواقع الإنترنت. ولا بدّ أن ينعكس الواقع المؤلم بطريقة أكثر إيلاماً، فمن جملة اللوحات المثيرة لوحة معزى شقراء جميلة، بأذنين طويلتين، وعينين مكحولتين، حملت بندقيتين حول خاصرتيها، لتقول، أو ليقول الفنان على لسانها، على شكل تعليق تحت الصورة بأنها يجب أن تدافع عن نفسها مع اقتراب العيد.

بقدر ما يحمل هذا التعليق من سخرية مضحكة يحمل أيضاً ألماً نعانيه جميعاً، فقد صار القتل من أكثر الوسائل المشروعة للدفاع عن النفس، وكأن الأمور وصلت إلى حدّ غياب الدولة وانكفائها عن أداء دورها في حماية مواطنيها، ومواشيها. في لوحة أخرى مجموعة من الخراف يتضاحكون ويتسامرون فرحين بما آلت إليه أحوال أعدائهم البشر، والتعليق تحت اللوحة على لسان أحدهم يقول: إن عليهم ألاّ يخافوا ولا يقلقوا، فإن الناس منشغلون بقتل بعضهم بعضاً.

التعليق بشكل عام يكاد دوره ينحصر في عالم الصحافة بشرح أبعاد الصورة ومعانيها ودلالاتها، لكن أمره في عالم الكاريكاتور مختلف، فهو لا بدّ أن يكون لوحة بحدّ ذاته، لوحة من الكلمات المعبّرة، تضيف إلى اللوحة المرسومة أبعاداً ودلالات أخرى. والجميل في هذا العالم الساخر أنه يتبع المناسبات على نحو شبه كامل، وهذا ما يجعل منه فنّاً مقروءاً ومتابَعاً بطريقة لا تستطيع بقية أنواع الفنون منافسته، مما يميّزه بالتفرّد والوصول إلى قرّائه بسرعة كبيرة وتأثير أكبر، وهذا من أهم وظائف الآداب والفنون، وظائف تجعل منه محرّكاً للساحة الإبداعية، والاجتماعية من خلال مقدرته على توجيه الرأي العام، وتغيير الآراء وتشكيلها بالطريقة التي يراها المبدع ذاته.

وفي هذا العالم المشوّه، والمشبوه، لا بدّ من إيجاد طريقة مناسبة للتعبير عنه والتعامل معه. وهنا يحتل فن الكاريكاتور مركز الصدارة بين بقية أنواع الفنون، تماماً كما تحتل الكتابة الأدبية الساخرة مركز الصدارة بين مثيلاتها للتعامل مع واقع سريالي إلى حدّ بعيد، فتأخذ من السريالية غرائبيتها، ومن الواقع ألمه، ومن ذات المبدع نظرته المختلفة للأشياء، لتنتج في النهاية نصّاً مكتوباً، أو لوحة مرسومة فيها الكثير الكثير من الاعتراض والرفض، بصورة مضحكة ومبكية في آن، تعكس حقيقة الواقع الروحية دون تشويه ودون زيف، وما نراه تشويهاً ما هو إلاّ حقيقة نحاول تجاهلها، نكذب على أنفسنا، ثم نصدّق. فنقضي عمرنا نعيش كذباً صادقاً، هكذا نريده، مع يقيننا أنه كذب كاذب، أو العكس.

وبالعودة إلى العيد، ماذا نقول للخراف؟ هل نفرح من أجلها، أم نجهّز الأواني والمواقد؟ هل نتقبّل شماتتها، أم نقول إنها خسئت؟ فنحضّر لها السكاكين والسواطير التي غيّرت جهة استخدامها؟ هل ندعو إلى التعقّل ونمارسه، فننقذ بلادنا مما يُحضَّر لها، فنعيش الأعياد الطبيعية بطقوسها وأفراحها، أم نشارك الخراف أفراحها، ونكتفي بالتهام الأعشاب والحشائش؟

العدد 1105 - 01/5/2024