الشعب يريد ركوب المترو!

ربما يكفي الحكومات المتوالية في سورية (فخراً)،  منذ عهود الانقلابات الأولى إلى آخر انقلاب ما زلنا نعيش تبعاته، أنها لم تستطع أن تنجز مشروعاً حيوياً وضرورياً كمشروع مترو دمشق، رغم جبال الكلام والمشاريع والوعود التي أطلقت بوتائر مختلفة في كل عهد.

اكتفت كل حكومة بحلول ترقيعية سريعة لمشكلة النقل الداخلي في دمشق، فيها من الشكوك ما فيها، ومن العبث بأحلام الملايين من سكان أقدم مدينة في التاريخ ما فيها.

من  حافلات الدولة التي أذاقت الناس الأمرين بعدم تلاؤمها مع شوارع المدينة الضيقة، ناهيك بأزقة أحياء المخالفات التي تمثل أكثر من 60% من مساحتها، وبطئها السلحفاتي، والعقلية التي تتعامل بها مع الزبون  المواطن (السائق) موظف حكومي يقبض راتبه إن خدم الناس أو لم يخدمهم، المهم أن يبقى حتى نهاية دوامه، وما أفرزته منظومة الفساد التي اكتملت مع نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات لتصبح نمط حياة وثقافة مجتمع بكامله.

ومع بداية التسعينيات غزت شوارع دمشق (وبقية المدن السورية) ما سمي الفئران البيضاء أو الفوكسات بلغة أهلنا الجزراوية… ولأن المواطن تعب قلبه من باصات الدولة العجوز (الدولة والباصات)…استقبل هذه (السرافيس) هاشاً باشاً، فلأول مرة يركب مكروباصاً حديثاً ويشعر بأنه وسيلة نقل مريحة ضمن مدينته.

لكن سرعان ما ظهرت مثالبها أيضاً، فأصبحت سبباً في ازدياد الزحام وتلوث البيئة، إضافة إلى اهترائها السريع لأن معظمها كان يعمل 24 ساعة في اليوم.

النتيجة…. عادت الدولة إلى فتح قطاع النقل الداخلي أمام المستثمرين.

جاء عشرات المستثمرين بباصات حديثة صينية الصنع، لكن بقيت دمشق كما هي من أسوأ المدن في خدمة النقل الداخلي.

تعاقب عشرات المحافظين، المئات من أصحاب الوعود والكلام، مرواً بمجالس المحافظات والمكاتب التنفيذية، عدة حكومات جاءت وراحت وكأن شيئاً لم يكن.

وما زال سكان دمشق وضيوفها يمضون نصف نهارهم في تعقب وسيلة نقل لا تأتي إلا مكتظة بالأجساد ورائحة التعب والعرق، ويحشر نفسه فيها، أما روحه فهي محشورة في برزخ اليأس.

ما أريد قوله بعد هذا العرض الموجز لتاريخ النقل الداخلي في دمشق خلال (العهود الثورية)، وبما أن الحكومة عادة هي الجهاز التنفيذي في النظام السياسي:

 

إن كل ذريعة هنا تصبح نافلة أمام المليارات التي أريقت في مشاريع ومعامل خاسرة وفاشلة ولا جدوى منها إلا لمن قبض عمولته ومضى…وأمام القصور الخيالية والفيلات والمزارع الممتدة على أطراف دمشق، والتي تكفي تكاليفها لإنجاز مترو في كل مدينة سورية لا في دمشق وحدها.

 

وسيكون شرط موافقتي  أنا المواطن المنتوف  على أي نظام قادم أن يتعهد أمام الله والوطن، وأمام برلمان منتخب، وأمامي شخصياً بتنفيذ مترو دمشق، وكل ما عداه لا يهمني الآن على الأقل حتى يتم إنجاز المشروع الحلم.

وللعلم أيضاً: إذا بدأت الحكومة الآن بتنفيذ المشروع، فسأصبح من أشد المؤيدين لها، وليزعل مني كل معارض يخرج اللهب من فيه.

العدد 1104 - 24/4/2024