راجعنا بكرا..!

بعد انتهاء التحقيق في قضية التلاعب بالعقود وتوريد آلات لا تنطبق عليها الشروط المطلوبة، وجد الموظف سعيد الحزنان نفسه خارج المؤسسة التي كشف فيها صفقة التلاعب بالآلات. وعلم أنهم ضحّوا به! وأن المدير بقي على رأس عمله.. وأكثر من ذلك حصل السيد المدير على شهادة تقدير من المدير العام وترقية أيضاً!

لم يدع باباً إلاّ طرقه، لكن الأبواب كانت جميعها موصدة بوجهه، فجميع من راجعهم كانت لديهم اجتماعات مغلقة أو جولات عمل ميدانية خارج دوائرهم حسبما كان مديرو مكاتبهم يدّعون.. حمل المواطن المذكور إضبارته وقصد مكتب ابن قريته معاون المحافظ، وهو يفكر كيف فصلوه من العمل لأسباب تتعلق بما يسمونه (النزاهة)، مستذكراً مراحل التحقيق معه والوثائق التي قدمها، وفيها براءته وإدانة المدير. كان يأمل بعودة الحق لأصحابه مادامت كلمات المرشح حماد العلي أثناء الحملة الانتخابية التي أوصلته إلى كرسي المحافظة لا تزال ترن في أذنه:( رح يكون مكتبي مفتوح لكل كبير وزغير بهالمحافظة إذا انتخبتوني.. رح خلي كل صاحب حق ملك وسلطان.. أنا عدو الفساد والمحسوبيات.. رح اقطع راس كل واحد مرتشي وابن حرام.. القانون فوق راس الكل… القانون.. النظام.. الوطن.. إلخ).

سأل عن مكتب حماد العلي ابن ضيعته، فأخبروه أنه في الطابق الثالث قرب الدرج المؤدي إلى السطح.. كانت الضحكة تحتل كامل مساحة وجه.. سعيد وهو يتأبط إضبارته ويصعد الدرج بسرعة. فجأة وجد نفسه أمام الباب المفتوح.. همس في سرّه: ( الحمد لله أخيراً ستضحك لي الدنيا ويعود الحق لأصحابه.. فعلاً.. الباب مفتوح للجميع).

حاول سعيد تقبيله وهو يسلم عليه، لكن حماداً هذا تراجع إلى الخلف بعد أن دخل أحد الحراس خلف سعيد ليخرجه، لأنه دخل في غفلة منه. لكن السيد حماد طلب منه الانصراف لأن سعيداً ابن قريته ولا داعي لينتظر بحجة اجتماع أو جولة كما هي العادة!

جلس سعيد على كنبة لم يجلس عليها طوال حياته، ونظر إلى المكيف والبرادي والكنبات الفاخرة والهواتف على طاولة المكتب والأضابير المكومة والأوراق المتناثرة على المكتب وقال:

الله يساعدك يا سيدنا.. شو بدك تلحّق على كل هالاضابير!

وقبل أن يرد السيد حماد رنّ هاتفه الخليوي على المكتب.. نظر في الشاشة وأسكت الجهاز، ثم مدّ يده إلى أحد الهواتف على المكتب وطلب رقماً:

ألو نعم.. شو فيه يا ابني؟!

أعطني رئيس الدورية.

ولك عمي شو صاير بهالبلد؟!. تركتوا كل سيارات الدنيا وضاقت عينكن على هالكام سرفيس اللي عم ينقلوا التلاميذ عندنا بالروضة؟!

أخي وشو بدك بالأوراق وشهادات السواقة؟!. خلص الموضوع عندي أنا!

أخي على مسؤوليتي.. خلص أنا بتصرّف!

وحياتك الشغل لفوق راسي!. خلص أكيد رح مر عليك بهالكام يوم ونتغدا بشي محل مرتّب!

عندما وضع السماعة ومسح العرق عن جبهته حاول المواطن سعيد أن يشرح له قضيته، لكن جرس الهاتف الخليوي كان أسرع من سعيد، فصمت بعد أن مدّ المدعو حماد يده ورفع الجهاز:

ألو نعم.. شو فيه؟!

انسَ الموضوع يرضى عليك!

همّ سعيد بتقديم الإضبارة لكن المدعو حماد عصر بطنه واستأذن بحجة الذهاب إلى دورة المياه، بعد أن رنّ الجرس، وطلب من الموظف تقديم الشاي للضيف.

لم يطل غياب السيد حماد في دورة المياه إذ عاد على وقع رنين الهاتف:

ألو نعم.. شو فيه؟!

وعلى أي أساس مدير المؤسسة بيرفض يعطيك الكمية المطلوبة؟

خلص أنا رح احكي معو، وخليه يعطيك كل الكمية غصباً عن راسو.

تبادل سعيد الابتسامة مع السيد حماد وهو يطلب رقماً:

كيفك أستاذ؟!

ولك أخي شو ناوي تخلينا نسكر معمل البلاط؟!

أنا أهم من كل الناس.. بعدين بتقبل حضرتك يقولوا ماعندي بالمعمل بلاط لأنو مافيني دبّر أسمنت؟!. شو هالعيب يا!

لا.. الله يرحم أبوك بتعطيه كل الكمية!

أخي على مسؤوليتي.. خلص أنا بتصرّف!.

وحياتك الشغل لفوق راسي!. رح مر عليك بهالكام يوم ونتغدا بشي محل مرتّب!

انسَ الموضوع يرضى عليك!

كانت الساعة تقترب من الثانية عندما رنّ الهاتف الخليوي على مكتب السيد حماد:

ألو نعم.. شو فيه؟!

خلصتي حبيبتي مكياجك؟!

طيب.. طيب.. لاقيلي على مطعم الأحلام!

وقف السيد حماد العلي وحمل هاتفه الخليوي ورزمة المفاتيح، ثم قال للمواطن سعيد الحزنان:

هاي المدام.. اليوم عيد ميلادها وعازمها عالغدا!

وقبل أن يسمح له بالكلام قال وهو يخرج من المكتب:

على كل حال راجعنا بكرا… ثم خرج!

العدد 1105 - 01/5/2024