احتواء طاقات الشباب

صروح الحضارات والأمجاد الإنسانية بنيت على أكتاف وسواعد الشباب، فالشباب في كل زمان ومكان هم عماد الأمة وسرُّ نهضتها ومبعث حضارتها، وعصب حياتها وخط الدفاع الأول والأخير عنها، فهم قادرون على العطاء لبناء وتنمية المجتمعات بما يملكون من حيوية وعقلية وطاقة وقوة وحماس، باعتبارهم القوة الدافعة والمحركة لأي عملية تغيير سواء كان ذلك تغيير اجتماعياً أو سياسياً أو اقتصادياً.

الشباب، هم العنصر الأساسي في السياسة التنموية التي تتطلب تأهيلهم وتمكينهم صحياً وتعليمياً وثقافياً وسياسياً لضمان تكيّفهم السليم مع المستجدات والمتغيرات والأزمات، وما سببته التطورات العلمية والتقنية الهائلة، وثورة الاتصالات والانترنت والفضائيات لدخول العالم مرحلة العولمة، وهذه المسؤولية تقع على عاتق المجتمع حيث الدور التربوي للأسرة والمدرسة لم يعد كافياً، وهذا ما يتطلب خطة عمل وبرامج وطواقم مؤهلة ومدرّبة وفق معايير عصرية يستطيع المجتمع من خلالها أن يُكسِب الشباب هذا التأهيل والوعي والإعداد القادر على تطوير العلوم والتكنولوجيا لتحقيق التنمية في الميادين الاجتماعية والسياسية والاقتصادية.

لذلك فقد أولت الدولة اهتمامها بالشباب والنشء حيث نص الدستور السوري في المادة عشرين فقرة 2 (تحمي الدولة الزواج وتشجع عليه وتعمل على إزالة العقبات الاجتماعية والمادية التي تعوقه وتحمي الأمومة والطفولة وترعى النشء والشباب وتوفر لهم الظروف المناسبة لتنمية ملكاتهم)

فالتنمية الإنسانية نظّمها الدستور بإدخال الشباب في الحياة عامة من خلال إشراكه في الانتخابات والاستفتاء، وإلزامهم بالخدمة العسكرية والدفاع عن سلامة الوطن، ومن خلال إعطائه حق الاجتماع والتظاهر، من وحرية الصحافة والطباعة ووسائل الإعلام وتكوين الجمعيات والنقابات على أسس وطنية، والمحافظة على الوحدة الوطنية والتعبير عن الرأي بحرية وعلنية، وإعطاء الشباب حق العلم والعمل والتمتع بالمواطنة والتمسك بالقانون وتطبيق الدستور لضمان الابتعاد عن الانطواء والتقوقع تحت أي مسمى سياسي أو طائفي أو عشائري يؤدي إلى العنف وعدم الاستقرار.

فهذه التنمية الإنسانية تضمن انخراط الشباب في العمل المجتمعي اجتماعياً أو سياسياً أو اقتصادياً أو تنموياً، لذلك يجب على الدولة والحكومة والجهات المعنية وبسبب الأزمة الراهنة التي تمر بها سورية أن تبذل الجهد برسم سياسات للتقليل من الآثار الراهنة لهذه الأزمة وصولاً إلى مستقبل مشرق قائم على السلامة والوحدة بين أبناء الوطن الواحد، وبناء جيل متمكّن قادر على مواكبة عجلة التنمية والوقوف ضد خطر العنف والإرهاب والتكفير والتخوين.

كذلك بأن تبعث روح التعاون والمشاركة للشباب في كافة المجالات التي تحقق حاجاتهم وتفريغ طاقاتهم في أنشطة بنّاءة وبث روح الوطنية وتعميق روح الانتماء لقضايا الوطن واحتياجاته للحفاظ على كينونته والاستعداد للدفاع عنه لما يتعرض له من خطر داخلي أو خطر خارجي يستهدف استقلاله وسيادته. وأن تسند للشباب المناصب والمسؤوليات لتفادي كل السلبيات من إضراب أو تظاهرات تسبب زعزعة الأمن والاستقرار. وتأمين فرص العلم والعمل بمحاربة البطالة والفقر والجهل التي تدفع بهم إلى دوامة العنف والتطرف.

فالوضع العام للشباب وما ترتّب عليه من الأزمة التي تتعرض لها سورية من تدمير للبنى التحتية للمجتمع والتي فاقمت أزمة ومعاناة الشباب الاقتصادية والاجتماعية والنفسية مما انعكس ارتباكاً وعدم ثقة بالمستقبل، والبحث عن سبل أخرى كالهجرة والسفر والانحراف والتي تؤدي إلى ضياع هذه الثروة الشبابية، وبالتالي ضياع مستقبل الوطن.

العدد 1105 - 01/5/2024