العنوسة اختيار قسري!

 لم يكن الزواج لأجل الزواج هدفها ذات يوم، فقناعتها بأهمية وجود الشريك المناسب لها فكرياً وعاطفياً، وضرورته، كانت أعمق من مجرد فكرة الزواج، لأن قطار العمر يمضي بها، أو لأن حتمية الحياة تفترض الزواج لكل فتاة بعد أن تنهي دراستها، إن مُنحت الفرصة لذلك.

وبطبيعة الحال، فإن الارتباط بالشريك الذي حلمت به سيفضي بالنتيجة لتكوين الأسرة التي لطالما فكّرت بأن تبنيها، وإنجاب الأطفال الذين ستربيهم وفق القناعات المشتركة بينها وبين شريكها، فتنشئ بذلك إنساناً وليس فقط طفلاً يكون امتداداً لنسل العائلة ويجعل غريزة الأمومة تمسي واقعاً لا حلماً…

في كل يوم كانت قناعتها تلك تترسّخ بداخلها، متأكّدةً من أن الأيام ستنصفها وتلتقي ذاك الشريك، رفيق الدرب، والسند إن غدر بها الزمن، حتى بعد أن طالت الحرب في بلادها كل ما يقع عليه البصر، من بشرٍ وشجرٍ وحجر، وحصدت ولا تزال كماً مروّعاً من الأرواح، ونفت العديد من الشبان خارج بلادهم هرباً من أوارها، بحثاً عن الحلم الضائع والأمان الموءود، أو ألقت بهم في مهب الريح العبثية مقاتلين مع هذا الطرف أو ذاك، أو جعلتهم في غياهب الذاكرة مفقودين أو مأسورين أو تائهين.

توالت عليها الأيام، فلم يبق أمامها لتحقق حلمها إلاّ أن ترضى بالزواج من رجلٍ يكبرها بما يساوي ضعف عمرها، ذاك بأنه لم يتبقَّ إلا هذه الشريحة من الرجال، أو أن تقتنع كما بعض صديقاتها بالارتباط بطيف رجلٍ يأتيها كل يومٍ عبر شاشة الكومبيوتر، تفصلهما أحدهما عن الآخر مسافاتٌ شاسعةٌ مهما حاولت هذه الشاشة أن تقرب بينهما إلا أنها لن تستطيع أن تجعلهما يشعران بحميمية المكان الواحد الذي يجمعهما، أو يتنفسان الروائح ذاتها والهواء نفسه، هو في بلدٍ وهي في آخر، يتبادلان أحاديثهما وأشواقهما عبر الأثير، إلاّ أن شعوراً حقيقياً بقربهما أحدهما من الآخر غير موجود..

رفضت كلا الحلَّين، وأصرّت على الحلم، رفيقها الأمل، زادها الوعي بذاتها إنسانةً وليست قطعة أثاثٍ تُباع وتُشترى، أو جسداً يبحث عن إشباع رغباته كيفما اتفق…مضت الأيام، ولا تزال تمضي هاربةً من عمرها، وهي تنتظر تحقيق الحلم، ولم يعنِ لها شيئاً أنها أصبحت تصنف في خانة العنوسة، التي كثر عدد المنتسبات إليها بغير رغبتهن، بل دفعهن لاختيارها التأرجح بين الظروف القاهرة والحال التي وصلت إليها البلاد، وبين قناعاتهن بأنهن يمتلكن الحق المطلق في اختيار شريك العمر، هذا العمر الذي يتبدد منهن دونما أي رأفةٍ بهن وبأحلامهن وآمالهن.

العدد 1104 - 24/4/2024