الشباب السوري وتأثير ثقافة الاستهلاك

 تشهد العقود الأخيرة انتعاشاً وازدهاراً للثقافة الاستهلاكية في حياتنا وعالمنا ووعينا وسلوكنا الاجتماعي، وغياباً للقيم الجماعية الجمالية والأخلاقية النبيلة، ولهاثاً وراء المادة، وكذلك اهتماماً متزايداً بالشكليات والمظاهر الزائفة، ونكوصاً للأفكار التحررية والديمقراطية والعلمية، وتضاؤلاً للوعي الجماهيري بأهمية الثقافة في تنمية روح الإبداع والعطاء والتطوع وبناء الإنسان العصري والحضاري، إضافة إلى النقص في الأندية الثقافية والمعارك الفكرية والمساجلات السياسية. وهذا التغيّر في العادات الاستهلاكية لدى الأسرة السورية انتقل إلى الشباب، وخاصة فيما يتعلق بالكماليات، وهو كما يقول معظم الشباب (تغير قسري).

باعتبار أن تلك المواد محكومة بمستوى الأسعار التي فُرضت نتيجة الأزمة والوضع الاقتصادي الذي أدى إلى التخلي عن الكثير من الرفاهيات التي كانت أساسية لدى الشّاب السوري وهو في المرحلة الجامعية، فتغيير جهاز الموبايل لم يعد ضرورة لمواكبة التطورات، ولا حتى شراء العديد من الألبسة، لأن أسعارها جنونية، والأمر كذلك بالنسبة للمصروف اليومي، واعتماد سياسات تقشفية لتمضية الشهر بتكاليف معقولة. وبالنتيجة فإن هذا التغيير يتغيّر مع اختلاف الظروف.

والمطلوب اليوم نوع من التأقلم مع الظروف الحالية، والتوازن ما بين الدخل ومستوى الأسعار، وبحسب آراء الاقتصاديين فإن المستهلك غيّر ثقافته الاستهلاكية، نتيجة ارتفاع أسعار معظم السلع في الأسواق، فقد أصبح يشتري ما يلبي حاجته اليومية من السلع الاستهلاكية، وتغيير العادة الاستهلاكية كان له جانبان سلبي وإيجابي، أمّا الإيجابي فقد حدَّ من هدر المواد الغذائية الذي كان يُشكّل نسبة لا تقل عن 30% لدى المستهلكين، وبالتالي فإن هذه النسبة لم تعد تُهدر لدى معظم المستهلكين لارتفاع أسعار المواد الغذائية، وأمّا الجانب السلبي في تغيير العادة الاستهلاكية، فهو أن المستهلك أُجبر على تغيير عاداته الاستهلاكية نتيجة ارتفاع الأسعار، وهذا ينطبق على الشباب السوري، فارتياد المطاعم مثلاً أصبح من المنسيات وخاصة للشباب الذين يفضلون توفير المبلغ لأمور تخص الناحية التعليمية وأجور النقل.

ويبدو أن الأزمة ساهمت إلى حدٍّ ما بتنمية الثقافة الاستهلاكية لدى بعض الشباب السوري، لكنها في الوقت ذاته غيّرت العادات السيئة في الاستهلاك عند البعض الآخر إلى عادات مفيدة، في محاولة جادّة للابتعاد عن الهدر والاقتصاد بالأمور الكمالية.

الدكتورة هناء برقاوي (أستاذة في علم الاجتماع بجامعة دمشق) ترى أن بعض الشباب السوري خلال الأزمة أثبت قدرته على تحمل المسؤولية دون أن ينسلخ عن أسرته. وأضافت برقاوي أن الشباب قادر على اتخاذ القرار والتأقلم مع الظروف الحالية حتى على مستوى احتياجاته الشخصية والضرورية منها، فنرى العديد من الشباب قد تخلّوا عن الكماليات نتيجة الظروف الاقتصادية الصعبة، ونبّهت إلى أن الأزمة قد أفرزت نوعين من الشباب، الأول منهما هو الأكثر فاعلية في المجتمع، والآخر الاتكالي الذي لا يتحمل المسؤولية، والذي لم يخرج من الفطام الاجتماعي. وتنصح د. برقاوي بالتوعية إلى ضرورة أن يتحمّل الشباب المسؤولية ضمن منهاج ونظام التنشئة الاجتماعية التي تتبلور في المدرسة ومن ثم الجامعة، لكن يبقى مهدها الأسرة.

العدد 1105 - 01/5/2024