!سوف تشرق الشمس من جديد في سماء سورية

يحكى أنه في قديم الزمان كان هناك قوم ظلم بعضهم بعضاً، وتقاتلوا فيما بينهم ولم ينصاعوا لحكمائهم، فخيّم عليهم الجوع والمرض ولم يعودوا يهتمون بزرعهم ومعاشهم. ويقال إن الطبيعة غضبت عليهم أشد الغضب نتاج سلوكهم، فقررت أن تعاقبهم وتمنع النور عنهم، فخيم الظلام وتاه القوم في بحرانه، وتمضي سنوات وهم على هذه الحال. ويقال أيضاً إن الطبيعة خاطبتهم بأن طريقهم إلى النور لا يمكن أن يحدث إلا بالتضحية.

كان يعيش بين ظهرانيهم شاب باسل كان محبوب الجميع، وكان يساعد المحتاج ولو  على حسابه الشخصي. ولقد فكر أن سنوات طويلة مرّت على قومه وهم يتخبطون في الظلام تائهين في الغابات وقد ضلّوا طريقهم إلى النور.

كان هذا الشاب يعرف أن التضحية ضرورية، وأن أحداً ما يجب عليه أن يقوم بذلك. إن شجاعته وحبه لقومه دفعاه إلى أن يجعل من نفسه المضحي. وبصوت جهير طلب من قومه أن يجتمعوا حوله وناداهم قائلاً طالباً منهم التضحية. بيد أن أحداً لم يستجب له. عندئذ مدّ هذا الشاب يده إلى صدره وانتزع قلبه ورفعه إلى الأعلى، وفجأة عمَّ الضياء الغابات وصرخ بقومه:
دعوني فأنا آخذكم إلى النور..
وهكذا سار رافعاً قلبه إلى الأعلى الذي كان يشع وينير لهم الطريق. يسيرون زمناً وتنفرج الغابات، وفجأة بدؤوا يرون من بعيد ومن خلال أغصان الأشجار إشعاعات الشمس الذهبية التي كانت تبدو لهم، من بعيد. وتدريجياً بدأت السماء تنفرج وبدأ النور يزداد توهجاً. فجأة بدت الشمس بحلتها الساطعة وبضيائها الذي ينشر الخصب والنماء للأرض. ولكن في هذه اللحظة يسقط الشاب الذي أنار لهم الطريق ميتاً.

 كم تنطبق هذه الحكاية علينا نحن السوريين.. لا بد من التضحية إذاً.

إن الظلام الذي تعيشه سورية الآن، هو بالدرجة الأولى من صنع السوريين بأيديهم.. لقد دمروا جزءاً كبيراً من بلادهم، ونشروا الخراب واسعاً، لكن الحل أيضاً بيدهم. والحل يقتضي، بالدرجة الأولى، التخلي عن الأنانية، التخلي عن المصالح الضيقة والنظر بعمق إلى سورية المستقبل.. سورية التي كانت دائماً عبر تاريخها منارة للفكر والثقافة والإبداع. لقد خرج منها عشرات المفكرين والإبداعيين من أبو علاء المعري إلى المتنبي إلى أبو تمام إلى ابن عربي…. والكثر الكثير غيرهم. إن الحل بيدهم إذاً، لأجل سورية المستقبل.

لا بد هنا من التضحية بهذه المصالح الضيقة. ولا بد أيضاً من التسامح مع بعضنا البعض. ولا بد أيضاً من أن نقف يداً بيد ضد أي تدخل خارجي. ويجب أن نوقف هذه اللعبة التي قام بها الخارج محولاً جزءاً كبيراً منا نحن السوريين إلى دمى يتلاعب بها تبعاً لمصالحه الخاصة.

أيها السوريون.. لقد آن الأوان كي نقف أمام الحقيقة وجهاً لوجه.. لقد آن الأوان أن نجتمع معاً، وأن نرسم معاً مستقبل بلادنا دون تهميش أو إلغاء. إن قلب سورية واسع جداً، إنه يتسع للجميع. تعالوا لنبني معاً سورية المتنوعة المزدهرة والحرة، ولنقف جميعاً سداً أمام الأجنبي الذي خَبِرناه جداً، والذي حاول ويحاول أن يجعل منا ألعوبة بيده من أجل مصالحه. تعالوا أيها السوريون لننظر معاً إلى المستقبل الخالي من الظلم والاضطهاد والدم، المستقبل الذي لا يفرق بين سوري وسوري.. ويمنح الجميع الفرص المتكافئة لبناء هذا البلد الذي عانى والذي كان ضحية، والذي يمكن أن يولد منه النور.

أيها السوريون الوطنيون جميعاً، دون استثناء، تعالوا نقدم إلى التضحية الكبرى من أجل الوطن، كي يبقى شامخاً عزيزاً ومنيعاً.. كي يبقى وطناً لأبنائه دون تمييز لا من حيث العرق أو المعتقد أو الفكر أو السياسة.. فلنحمل قلوبنا بأيدينا من أجل سورية الوطن.. من أجل سورية الأم التي أرضعتنا جميعاً، والتي لها علينا واجب الحب والاحترام، وواجب الحفاظ عليها نقية ساطعة.. تشع منها الحضارة والإنسانية على العالم أجمع. 

العدد 1105 - 01/5/2024