المسألة الكردية.. جذورها..آفاق الحل وموقف الشيوعيين السوريين

أكد لينين دائماً أن واجب الماركسيين هو الدفاع عن المساواة القومية، والعمل ضد كل إجحاف واضطهاد قومي، وأن من واجب الماركسيين أن يجعلوا من وحدة نضال عمال الأمم المظلومة والظالمة حجر الزاوية في نضالهم وتوجهاتهم، وإلا فإنهم سيجدون أنفسهم، حتى عن غير قصد، حلفاء لهذه أو تلك من البرجوازيات القومية الاستعمارية.

عرض تاريخي

لقد أصبحت قضية الشعب الكردي عموماً في المرحلة الراهنة إحدى المسائل القومية الملتهبة، التي لم تجد حلاً ديمقراطياً لها حتى الآن، فالشعب الكردي من شعوب المنطقة الشرقية العريقة، له لغته وثقافته وعاداته وتقاليده شأنه شأن الشعوب الأخرى، التي عاش معها بتآخٍ منذ مئات السنين، وساهم مساهمة فعالة في تطور المنطقة الحضاري، وحافظ على وجوده بالرغم من حملات الغزو الوحشية، وقد جرى تقسيم المنطقة وشعوبها مرتين تاريخياً نتيجة الصراعات الدائرة في المنطقة بين الإمبراطوريات والدول الاستعمارية المختلفة.

التقسيم الأول: أقرّ هذا التقسيم إثر الصراع الذي دار بين الإمبراطوريتين العثمانية والفارسية منذ 1514 بموجب معاهدة قصر شيرين (عام 1639).

التقسيم الثاني: جرى بحسب معاهدة لوزان 1923 الناتجة عن اتفاق سايكس بيكو، بهدف الهيمنة الاستعمارية على منطقة الشرق الأوسط، وقد ألحق الاتفاق غبناً كبيراً بشعوب المنطقة، وبضمنها الأكراد.

المسألة الكردية في سورية

تعيش في سورية منذ القديم قوميات عديدة إلى جانب العرب ومنها القومية الكردية، ولم تكن بينها أية صراعات تناحرية تاريخياً، بل كانت تتعايش معاً بما يمكن وصفه بالشراكة والتآخي، تشترك معاً في الدفاع عن الوطن الواحد تجاه العدو المشترك، ثم أتت الدول الاستعمارية، بالتعاون مع القوى الرجعية، التي بدأت تضخ مفاهيم شوفينية في صفوف الطبقات الشعبية الكادحة ضمن سياسة (فرق تسد)، فخلقت العداوات بين مكونات البلد الواحد.

وقد بدأت هذه الممارسات الخاطئة منذ أيام الوحدة السورية المصرية عام 1959 تحت شعارات لا تمت إلى العروبة بصلة، ثم جاء إحصاء الجزيرة عام 1962 الذي حرم ألوفاً كثيرة من الأكراد من الجنسية السورية، وقد كان مشروع الحزام الأخضر في سبعينيات القرن الماضي خطوة أخرى في هذا الاتجاه، فقد هجّر الفلاحون الأكراد من قراهم ومدنهم، وسُلّمت لمهاجرين عرب من مناطق غمر سد الفرات، وفي الوقت نفسه جرى تعريب أغلبية أسماء القرى والبلدات الكردية.

إضافة إلى هذين المشروعين كانت جماهير الشعب الكردي محرومة من حقوقها، وعانت أشكال التمييز والتفرقة، فجرى منع التكلم باللغة الكردية بقرارات تصدر بين فترة وأخرى، ومنع تداول الكتب ومختلف المراجع المتصلة بالأدب والتاريخ الكرديين. ولا بد هنا من الإشارة إلى أن السلطات السورية سمحت منذ ثمانينيات القرن الماضي، في إطار توسيع الهامش الديمقراطي، بنوع من الانفتاح الإيجابي فيما يتعلق باحتفالات عيد النوروز، وتخفيف إجراءات المنع بخصوص الثقافة والفولكلور الكردي.

موقف الحزب الشيوعي السوري من القضية الكردية

لقد عمل الحزب الشيوعي السوري على نشر مفهوم التآخي بين الشعبين..وعدّ النضال ضد الاستعمار والإقطاع مهمة رئيسية للكادحين العرب والأكراد،الذين اختلطت دماؤهم في الدفاع عن حقوق الفلاحين والأجراء الزراعيين، وناضل الحزب الشيوعي السوري من أجل تنمية المناطق الكردية،وعمل على حصول الطلاب الأكراد لمنح الدراسية لمتابعة دراستهم الجامعية والعليا في الدول الاشتراكية، وساعد ذلك في تطور أوضاع المناطق الكردية اجتماعياً وثقافياً.

لم يقصّر حزبنا الشيوعي السوري تاريخياً في مواقفه الوطنية والديمقراطية، ومن خلال برامجه السياسية ونشاطاته الملموسة في رفض التمييز والتفرقة على أساس الانتماء القومي والمذهبي ورفض التعريب، بل وناضل من أجل منح الجنسية للأكراد المحرومين منها نتيجة إحصاء 1962 ومن أجل إلغاء مشروع الحزام الأخضر، كما أقام دورات تعليمية للغة الكردية في سنوات الخمسينيات والستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي، كما قام في تلك المرحلة بإصدار نشرة (روهلات – الشروق) باللغتين العربية والكردية، وانعكس كل ذلك على النضال في الساحة الكردية، ولاقى الارتياح والترحيب في أوساط الشعب الكردي. كما ساهم الحزب أيضاً في إحياء مختلف الأعياد والمناسبات القومية الكردية، وبسبب ذلك زُجّ العديد من الشيوعيين في السجون.

ولا ريب أن القضية الكردية هي إحدى القضايا المثارة) وكان تقرير اللجنة المركزية للمؤتمر السادس (1987) قد وضع القضية الكردية في إطارها الصحيح، وذلك تحت عنوان حركة التحرر الوطني الكردية وجاء فيه:

(تشغل حركة التحرر الوطني الكردية، مكاناً هاماً في نضال شعوب المنطقة ضد الإمبريالية والصهيونية. إن حركة تحرر الشعب الكردي هي حركة ديمقراطية، تعبر عن مطامح الشعب الكردي في نيل حقوقها القومية، وهي رديف لحركة التحرر الوطني العربية، وخاضت الجماهير الشعبية العربية والكردية معارك مشتركة ضد المحتلين من أجل التحرر الوطني والاجتماعي). أما في ما يتعلق بالقضية الكردية في سورية فجاء في التقرير (إن حزبنا يرى أن الأكراد السوريين، يجب أن ينالوا حقوقهم الثقافية والاجتماعية، ويتمتعوا بجميع الحقوق المنصوص عليها في الدستور السوري). وأكد التقرير في الختام (إن الحزب الشيوعي السوري، الذي يهتدي بمبادئ الماركسية اللينينية، يؤيد حق الأقليات القومية في سورية والبلدان العربية الأخرى بتعلم، لغتها وإحياء ثقافتها واحترام عاداتها وتقاليدها).

الحزب الشيوعي السوري الموحد والقضية الكردية

أبدى الحزب في مؤتمره السابع الموحد (عام 1991) اهتمامه الواضح بالمسائل الديمقراطية ومن ضمنها المسألة الكردية، وتوصل إلى قرارات هامة وحلول ديمقراطية عادلة ومتوازنة ومبدئية، وانطلق في تبنيه تلك القرارات العلاجية من رؤيته الصائبة لأهمية تعزيز الوحدة الوطنية وتوسيع الحريات الديمقراطية في البلاد، فقد جاء في تقرير اللجنة المركزية للمؤتمر السابع الموحد أن: (العامل القومي عامل عميق ومؤثر، وهو لا يضعف مع تطور الوعي بل يزداد عمقاً، وعلينا نحن الشيوعيين أن ندرك هذه الحقيقة وأن نتعامل معها على نحو إبداعي، وإن احترام المشاعر القومية للشعوب وتقديرها على نحو صحيح هو موقفنا بوصفنا شيوعيين، ومن هذا المنطلق المبدئي فإننا نؤكد على حقوق الشعوب والقوميات الأخرى في منطقتنا وحقوقها الثقافية والمساواة أمام القانون وحتى حق تقرير المصير…

وأعاد الحزب الشيوعي السوري الموحد في مؤتمراته اللاحقة التأكيد على مواقفه الوطنية والطبقية والديمقراطية، وركز على المسألة القومية الكردية السورية في المرحلة الراهنة، والتي تتلخص بالنضال من أجل الحقوق الإدارية والثقافية والاجتماعية، وإلغاء التمييز وكل مظاهره، ومساواة كل المواطنين أمام القانون والدستور، والمساهمة النشيطة في الحفاظ على اللغة والثقافة والحياة الروحية للشعب الكردي وتطويرها، وخلق تيار ديمقراطي تقدمي ضمن الوسط العربي، والمواجهة الموحدة المشتركة من قبل قوى الوطنية والتقدمية كافة لمظاهر التفرقة والتمييز ونفي الآخر، ومكافحة الروح الانعزالية القومية لدى بعض الأوساط الكردية وغيرهم، وذلك على أساس تقوية وتعزيز التيار الوطني الديمقراطي فيها الداعي إلى وحدة نضال الطبقات والفئات الكادحة وصيانة الوحدة الوطنية والشعبية.

أخيراً.. إن التآمر الذي عاشته منطقتنا وسورية تحديداً بهدف تقسيمها وتفتيتها تسهيلاً للسيطرة عليها من قوى الإمبريالية العالمية على مر تاريخنا الحديث، يتكرّر في السنوات الأخيرة من خلال الحرب التدميرية التي تنفذها المجموعات الإرهابية المسلحة بدعم أدوات واشنطن الإقليميين، وتستخدم الأساليب القديمة نفسها، أي تفتيت المجتمع السوري بجميع مكوناته، ولكن هاهو ذا الشعب السوري يقف صامداً أمام هذه المؤامرة، ويقوم جيشه العربي السوري البطل بتنظيف الأرض السورية من هذه المجموعات الإرهابية، وتقاتل معه في الخندق نفسه قوات الدفاع الشعبي من مختلف المناطق، وقوات حماية الشعب الكردية، والوحدات الآشورية والسريانية، والمتطوعون الأرمن وأبناء العشائر العربية، وما يؤكد ذلك ما جرى ويجري في الجزيرة السورية وكسب وعين العرب (كوباني) ونبّل والزهراء ومحردة، وباقي المدن والمناطق السورية.

إن وحدة الوطن السوري تتعمد الآن بدماء أبنائه، وسيكون ذلك أساساً لسورية المستقبل، سورية العلمانية الديمقراطية، المنسجمة بجميع مكوناتها الاجتماعية والإثنية.

العدد 1105 - 01/5/2024