التحركات الأمريكية لضرب المصالح الروسية في القطب الشمالي

في الخامس والعشرين من شهر شباط من العام الحالي 2015 أعلن وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو أن بلاده مستعدة لحماية مصالحها في منطقة القطب الشمالي، وبضمن ذلك بالوسائل العسكرية، لافتاً إلى أن بعض الدول تسعى بإصرار إلى القطب الشمالي وتتخذ خطوات سياسية وعسكرية واقتصادية محددة من أجل ذلك. وأضاف الوزير الروسي: (إنه يعتبر الوجود العسكري الروسي الدائم في القطب الشمالي وحماية المصالح الوطنية الروسية بالوسائل المسلحة جزءاً أساسياً من سياسة ضمان الأمن القومي الروسي، موضحاً أن بلاده ستعمل على زيادة القوات المتمركزة في شبه جزيرة (تشوكوتكا) لضمان أمن الطريق البحري الشمالي، وصدّ التهديدات المحتملة في منطقة القطب الشمالي). وكانت روسيا أعادت تشكيل أربعة ألوية للدفاع الجوي الفضائي التابعة للمنطقة العسكرية الشرقية التي تدخل من ضمنها (تشوكوتكا) في فرقة دفاع جوي واحدة، كما شكلت أفواجاً دفاعية (كيميائي وإشعاعي وبيولوجي) في تلك المنطقة. ونشرت روسيا وحدات رادار ومراكز لتوجيه الطائرات في هذه المنطقة أيضاً في خريف 2014 إضافة إلى تسلم المنطقة العسكرية الشرقية الروسية مؤخراً طائرات مقاتلة حديثة من نوعي سوخوي 30 وسوخوي 35 ومروحيات قتالية من طراز (دكار 25) وأنظمة صواريخ من نوع (بال) وغيرها من الأسلحة الحديثة.

لقد أصبحت المنافسة في منطقة القطب الشمالي تتسم بمزيد من التعقيد لعدم وجود اتفاق شامل بين الأطراف المتنافسة، بل تغيب نيّة التوصل إلى مثل هذا الاتفاق في الوقت الراهن أو في المستقبل القريب أيضاً.. ومع تطوير معدات وتكنولوجيات التنقيب في المياه المتجمدة، فإن النزاع على تقاسم مناطق التنقيب سيستمر حسب التوقعات وستزداد حدته.

ومما يلفت النظر أن دول منطقة القطب الشمالي قامت بتصنيع 66 سفينة عسكرية تستطيع خوض الحرب في شمال الكرة الأرضية، وقامت روسيا بتصنيع 15 غواصة وكاسحة جليد جديدة لهذه المنطقة تحديداً، وتسعى روسيا- وهذا من حقها- إلى الحصول على الاعتراف بملكيتها لأجزاء من المحيط المتجمد الشمالي تبلغ مساحتها 2,1 مليون كم،2 تحتوي حسب التقديرات الأولية على 10 مليارات طن من النفط على الأقل. وكانت بعثة روسية قد نصبت في عام 2007 العلم الروسي في قاع المحيط المتجمد الشمالي، في إطار تثبيت حقوق روسيا في أجزاء محددة من منطقة القطب الشمالي، لأن روسيا دولة تطل على المحيط المتجمد الشمالي، إلى جانب كل من كندا والدانمارك والنروج والولايات المتحدة الأمريكية. كذلك قدمت روسيا في عام 2001 إلى لجنة في الأمم المتحدة وثائق تثبت أن المياه الواقعة أمام سواحلها الشمالية ما هي إلا امتداد لمياهها الإقليمية، ولكن لجنة  الأمم المتحدة المختصة بهذا الشأن رفضت تلك الوثائق وطالبت روسيا بتقديم المزيد من الأدلة والوثائق الجديدة.

وتفيد بعض التقديرات بأن الجرف القاري للمحيط المتجمد الشمالي يضم نحو ربع احتياطات بحار العالم من موارد الطاقة، في حين تؤكد تقارير أخرى أن احتياطي هذه المنطقة من النفط وحده يبلغ نحو 90 مليار برميل.. أما التقديرات الروسية فتشير إلى تركز ما بين 70 و80% من مجمل احتياطات منطقة المحيط المتجمد الشمالي من النفط والغاز في منطقة الجرف البحري الروسي. وأكدت روسيا أن استخدام موارد منطقة القطب الشمالي يعد ضماناً لأمن الطاقة فيها، وقامت بإصدار تشريعات برلمانية لتحديد المنطقة التابعة لها في القطب الشمالي، كما أعلن مجلس الأمن القومي الروسي في عام 2010 عن استراتيجية جديدة تقضي بتشكيل قوة عسكرية لحماية مصالح روسيا في المنطقة القطبية الشمالية، انطلاقاً من أن هذه المنطقة ستصبح حسب التوقعات المصدر الرئيسي للنفط والغاز في روسيا خلال السنوات المقبلة.

والولايات المتحدة – كعادتها-تعمد إلى معارضة التوجه الروسي للمحافظة على مصالح روسيا الطبيعية والحيوية في منطقة القطب الشمالي، لأن روسيا تطل على المحيط المتجمد الشمالي، وهذا التوجه أمر مشروع لأن المياه الواقعة أمام سواحلها الشمالية هي امتداد للمياه الروسية الإقليمية، وتتحرك واشنطن بخبث بالتعاون مع كندا والدانمارك والنرويج، بحجة امتلاكها مع هذه الدول شريطاً ساحلياً مع القطب الشمالي، وأن لها الحق في السيادة على أجزاء منه. ويتعقد الوضع أكثر لأن عدد الدول التي تقف عند أبواب القطب الشمالي أكبر بصورة ملحوظة من عدد الدول المطلة على ساحاته الجليدية، وهي تنتظر اتفاق الدول المطلة عليه كي تستفيد من النفط والغاز هناك، في الوقت نفسه تدعي واشنطن أن أيسلندا والسويد وفنلندا لها الحقوق ذاتها في الموارد الكامنة في المحيط والقطب الشمالي.

في عام 1996 تأسس ما يسمى (مجلس القطب الشمالي) بمبادرة من فنلندا وإيعاز من الولايات المتحدة وروسيا والسويد والولايات المتحدة، ليكون منظمة إقليمية لمنظمة القطب الشمالي، ويضم الدانمارك وفنلندا وآيسلندا وكندا والنرويج وروسيا والسويد والولايات المتحدة، كما تضم هذه المنظمة بعض الدول المراقبة وهي بريطانيا وفرنسا وألمانيا وهولندا وبولندا وإسبانيا والصين وإيطاليا وكوريا الجنوبية.

ويتعلق الصراع على القطب الشمالي أيضاً بما ينجم عن ارتفاع حرارة المناخ من جعل الطرق البحرية الشمالية مفتوحة للملاحة خلال فترات أطول.

في ضوء ما سبق، وفي ضوء استمرار الولايات المتحدة في الدفاع عن سياستها بأن تكون القطب الأوحد الذي يقود العالم ويهيمن على القرار السياسي والاقتصادي فيه، ومحاولاتها منع أي طرف دولي آخر من النهوض على قدميه ومنافستها لاحقاً، تسعى واشنطن إلى تحويل منطقة القطب الشمالي إلى بؤرة توتر جديدة، ظناً منها بأن هذه البؤرة ستؤثر على الصعود الروسي، متناسية أن موسكو قد أعدت العدة لكل شيء، وأنها لن تسمح للولايات المتحدة أن تتمدد على هواها هنا وهناك. طبعاً هناك هدف آخر لواشنطن من خلق هذه البؤرة في جرف القطب الشمالي، وهو السطو على ثروات القطب الشمالي من نفط وغاز، وحرمان روسيا منها، علماً بأن روسيا هي الأحق بذلك، لأن معظم هذه الثروات موجودة في مياه تعد امتداداً لمياهها الإقليمية.

العدد 1105 - 01/5/2024