من بعض ما عندكم… مبدعون في الفيسبوك

بعد عامين أو أكثر على (انتسابي) إلى هذا العالم الساحر الفيسبوك، لم يصبني الملل؟ وهو بحد ذاته مدعاة للتساؤل: من أين له هذه القدرة على احتلال وقت الملايين واهتمامهم على هذه الكرة التي لم تتعب من الدوران… قمت بجردة حساب، (مؤتمر) بلغة الأحزاب، ماذا قدم لي الفيسبوك، ماذا أخذ مني؟…

أخذ مني الكثير من الوقت والاهتمام والجهد أيضاً.

 الكتابة على الفيسبوك بالنسبة للكثيرين، ومنهم أنا، ليست تسلية فحسب، وفيها تسلية طبعاً، الكتابة في غالبها حقيقية وتعبر عن حالات حقيقية، حالات شعورية، روحية، صادقة.. وجواب صادق على سؤال الفيسبوك: ماذا يخطر في بالك؟

أعطاني وسطاً اجتماعياً (وإن كان افتراضياً في بعضه)، اخترته أنا بملء إرادتي، وأستمر في غربلته كل يوم، كما يغربلني هو أيضاً… ربما كان من أرقى مفاهيم الحرية وأشملها.. في حياتنا الاجتماعية الكثير من العلاقات المفروضة عليك، إما بحكم القرابة أو مكان الإقامة أو السكن..إلخ. في الفيسبوك لا شيء يفرض عليك.. إلا بعض مخلفات الحياة الواقعية، ويمكن بسهولة تلافيها عن طريق عشرات الاحتمالات التي يتيحها لك الفيسبوك في حجب منشوراتك أو أخبارك أو أصدقائك… ناهيك بإمكان الدخول باسم غير حقيقي.

أتاح لي إمكان الاطلاع على كتابات مبدعين بعيدين بحكم الجغرافيا أو التاريخ أو اللغة أو حتى سعر الكتاب.

أتاح لي ولكل المهتمين اكتشاف كتابات غاية في الدهشة، غاية في الإتقان، لأسماء مجهولة لولا الفيسبوك لربما بقيت طي النسيان. أتاح متعة التواصل الحر المفتوح مع نساء ورجال على مختلف السويات والاهتمامات والمنابت والأفكار والرؤى.

إنه من أهم جوانب أكبر ثورة في عصر الاتصالات، الإنترنت.

 

* عبود سعيد، أهم رجل في الفيسبوك على الإطلاق، كما يصف نفسه مراراً، وهو كذلك، يشكل علامة فارقة في الفيسبوك، هذا الرجل يجمع السخرية والشعر والسيرة الذاتية ووجع الناس والفقر والشغب والفن بمختلف أجناسه، في نص متوتر منساب متمرد متخم بالشعر، ويلقيه في وجوهنا.. عبود سيكون عنواناً مهماً لعصر الكتابة الحرة الحقيقية، ابتداء من الفيسبوك وانتهاء بالكتابة الورقية التي لا غنى عنها طبعاً.ستقفون طويلاً أمام نص عبود سعيد فاغري الأرواح والقلوب… هذا الرجل لديه ما يقوله فعلاً، وبشكل لم يسبقه إليه أحد… أحد أهم ما عرفته هنا هو عبود سعيد.

* أحمد م أحمد.. القاص والمترجم السوري الذي يحفر بدأب منذ تسعينيات القرن الفائت نصه الخاص الموشوم بالحب والألم والحرية، بعد أن افتقدته طويلاً اكتشفته في الفيسبوك، ما زال أحمد يتجاوز نصه الذي كتبه منذ دقائق، ما زال يدهشنا.

* رفيدة الخباز.. لم أسمع بهذا الاسم عبر الفيسبوك، رفيدة تكتب الآن يوميات الوجع السوري بلغة ساخنة كسخونة هذا الدم الذي يملأ الشوارع. تكتب بالعامية وبالفصحى، تفاصيل يومية، ونصوص شعرية، لا تستطيع إلا أن تقول كم كانت خسارتنا كبيرة لو لم نقرأ لرفيدة الخباز؟

* ياسمين كروم… أيضاً من الأسماء التي عرفتها على الفيسبوك، ياسمين أيضاً تكتب غالباً عن الكارثة الوطنية السورية، لكن في قالب مشحون بالسخرية المرة والموجعة. لياسمين بصمة خاصة في كتابتها العامية الساخرة، إنها واحدة من الساخرين الجدد بامتياز.. 

* تتقاطع سمر صافي مع أسلوب ياسمين الساخر، لكن تفترق عنها في الاختصار، سمر تكتب ببضع كلمات ما يحتاج الآخرون نصوصاً طويلة ليقولوه. .

* مصطفى علوش المدون السوري المقيم في باريس هو علم من أعلام الكتابة الساخرة، لا أبالغ أبداً أن هناك حركة أدبية جديدة، تيار ثقافي جديد، يولد من رحم الصفحات الإلكترونية، أحد رموزها المهمة هو مصطفى علوش، يكتب بلغة بسيطة رشيقة نصوصاً في الأدب الساخر تحاكي الأزمة السورية والصراعات السياسية الدائرة على خلفيتها.

* ياسر الأحمد أيضاً ممن لم يتح لي المجال لقراءتهم إلا عبر الفيسبوك.. كاتب يمتلك أدوات عالية في الكتابة الساخرة، معتمداً على ثقافة غنية واطلاع واسع على الحالة السورية ومكوناتها… ياسر ابن حلب يبدو سورياً حتى أدق تفصيل في قرية من جبل العرب إلى ديريك.

* خزامى علي، ناديا مراد، جوني قسيس، . وآخرون كثر وجدناهم في هذا الفضاء الجميل، ضحكنا معهم وبكينا… وعشنا متعة التعامل مع نصوص مدهشة لأسماء غير متداولة إعلامياً.

لا أنسى الأسماء المعروفة في حقول الكتابة الأدبية (شعر، مسرح، رواية، قصة…) الذين نقرأ نصوصهم الجديدة عبر صفحاتهم، إضافة إلى آرائهم في مناحي الحياة المختلفة، مع حفظ الألقاب: خطيب بدلة، يحيى جابر، زكريا تامر، لقمان ديركي، خالد خليفة، عصام حسن، رائد وحش، مروان علي… وكثيرون غيرهم لا يتسع المجال لذكرهم.

في ما سبق كانت وقفة مع الأقلام الساخرة في الفيسبوك، وستكون هناك محطات أخرى مع الشعر والرسم والصورة والخبر… مما أضاءه الفيسبوك.

العدد 1105 - 01/5/2024