للثقافة أشرعة تتخطى القيود

منذ اندلاع الاحتجاجات في سورية، وتحويلها إلى حربٍ امتطت صهوتها كل الأطراف الحاقدة على تنوّع السوريين في مختلف المجالات، مثلما امتطت تلك الصهوة قوىً ما زالت تعيش في غياهب مغاور التاريخ السحيق وكهوفه فكراً وممارسة لن ترتقي بنا يوماً إلى مصاف الرقي والحضارة.  ومنذ اللحظات الأولى، فرضت الدول الكبرى، والعديد من الدول العربية حصاراً رهيباً، هدفه المُضمر قهر الشعب السوري، وعقوبات شملت كل مناحي الحياة بما فيها الثقافية، لأن هذه الدول تُدرك جيداً أن التنوّع الاجتماعي السوري، يخلق بالتأكيد تنوّعاً ثقافياً يرتقي بالسوريين أبداً، فيجعل من سورية قبلة العالم أجمع.

أجل، إن الحصار المفروض علينا، عمل على تجفيف منابع الثقافة ومصادرها بسبب منع العديد من الدوريات الثقافية والكتب وسواها، أو امتناعها من الوصول إلينا، مما دفع عموم السوريين، ولاسيما المهتمّين والمثقفين لابتكار وسائل وأساليب جديدة لاستمرار التواصل مع منابع الثقافة، ولمواصلة الحياة الثقافية السورية بشكل شبه طبيعي، والبحث عن بدائل تروي تعطّشهم للمعرفة والآداب والفنون، بل وكذلك محاولة المشاركة بفعاليات ثقافية داخلية وخارجية ولو مخاتلة.

وأكثر ما يُثير الحفيظة والدهشة بآنٍ معاً، أن الذين فرضوا الحصار الثقافي كانوا قد غفلوا أو تغافلوا أننا نعيش في عصر ثورة الاتصالات التي جعلت من الكون برمته قرية صغيرة، لا تكاد الكلمة تُنطق أو تُكتب بمكان حتى تصل إلى أرجاء المعمورة في ثانية واحدة فقط. لذا لم يأتِ الحصار الثقافي بالنتيجة المرجوّة لأولئك الحاقدين، ولم يؤثّر على السوريين والثقافة السورية كثيراً، مادام فيها من يعي ويُدرك الأهداف المريضة والمشبوهة لمن قاد حملة العقوبات والحصار. فاليوم، وكما يستعر لهيب الحرب في سورية، تشتعل دمشق كما باقي المناطق بحركة أدبية وثقافية نشطة في مختلف المراكز الثقافية وأروقة المقاهي والكافتريات المُنتشرة في أزقتها القديمة وشوارعها الفسيحة، تحت تسميات مختلفة ومتنوّعة كما روّادها وأدباؤها الذين يُجمعون على هدفين أساسيين هما، أن الحياة أقوى من الموت، وثانيهما رفض سيادة وسيطرة الهمّ السياسي بمختلف تبعاته على السوريين العاشقين للحياة، كردّ فعل حضاري على الموت العبثي اليومي، وفي هذا مساهمة جادّة وفعّالة في وضع الحلول ومحاولة ممارستها عبر القول السائد لروّاد تلك الملتقيات: إننا: نحب الحياة إذا ما استطعنا إليها سبيلا!

 

العدد 1107 - 22/5/2024