فلنكن كما نريد.. مهما كان الثمن

من المعروف أن المشاعر والعواطف سمة أو حالة إنسانية عامة، ليست حكراً على جنس دون الآخر، فلا يمكننا أن نحكم على الفتيات بأنهن يتملكن منها أكثر من الشباب، ولا أن نجرّد الرجال منها بينما نلصقها فقط بالنساء… فكل إنسانٍ يمتلك من المشاعر والعواطف على مختلف أشكالها ما يمتلكه، إنما تختلف طرق التعبير عنها بين جنس وآخر، بين شخص وآخر…

والمشاعر الإنسانية لها عدة تجليات، كعاطفة الأبوة أو الأمومة، وعاطفة الأخوّة، والمشاعر التي يُكنّها الأصدقاء تجاه بعضهم، أو الزملاء في العمل أو الجيران، إلاّ أن ما أود تسليط الضوء عليه هو المشاعر العاطفية التي تربط بين أفراد من الجنسين، رجل وامرأة، شاب وفتاة… هذه المشاعر التي يحكمها القلب وتتوهج الروح بها، والتي تعتبر أحد أهم أسباب الارتباط بين الجنسين، وبالتالي الزواج وتكوين الأسرة وتحقيق الحلم…

ولكون هذه المشاعر لا يحكمها إلا القلب والروح، فهي كما غيرها لا تعترف بالفارق بين الجنسين، فالشاب يحبُّ كما الفتاة، وتعتمل بداخله تلك المشاعر في الوقت الذي تعتمل به عند الفتاة، إلاّ أن آلية التعامل معها والبوح بها يختلف، لا بل إن التعبير عنها يختلف كلياً، وهذا ناجم عن الطبيعة الإنسانية لكل منهما من جهة، وللتربية المجتمعية التي يخضع لها كل منهما من جهةٍ أخرى، فمن المتعارف عليه في مجتمعاتنا الشرقية أن البوح والبدء بخوض غمار أية علاقة بين اثنين مطلوب من الشاب أو الرجل، بداعي أن الشاب يمتلك من الجرأة أكثر من الفتاة، وأن قابليته للرفض أو القبول لا تمتلكها الفتاة التي توسم بأن مشاعرها مرهفة وغير قابلة للصد، وهذا بحدِّ ذاته برأيي مرفوض، فمن قال إن الشاب لا يجرح أو لا يشعر بالإهانة إن هو رُفض من قبل الفتاة؟؟؟،

إلاّ أن تربية مجتمعنا لكلا الطرفين عززت عند كل منهما أموراً منعتها أو جرّمتها لدى الآخر، فالاعتراف بالمشاعر، والتودد من قبل الفتاة ليس فقط مرفوضاً، بل إنه يُعتبر ابتعاداً عن القيم الأخلاقية التي تربّت عليها الفتاة، وبالتالي نجد المجتمع يستهجنها ويرفضها، على الرغم من أن هذه الحالة مُعاشة حالياً وبكثرة، لكن في الخفاء، والنظرة المجتمعية هي أول أسباب هذه السرية والتّكتم…. ومن منطلقٍ شخصي أقول بأنه علينا أن نترك كل شخص يعبّر عمّا يشعر به بحرية تامة دون قيود ولا محرمات، فمن حق الفتاة كما الشاب البوح والمجاهرة بمشاعرهم، وإن امتلكت الفتاة هذه الجرأة فلأنها تمتلك بالأصل ثقةً كبيرةً بنفسها، وبمشاعرها، وتقديراً كاملاً لوجودها كإنسان، وبالتالي فهي تدرك تماماً حقوقها وواجباتها، إضافةً إلى جملة من القيم والمفاهيم التي بتنا نعيشها ونتقبلها بحكم الوضع المعاش في ظل الحرب، والذي فرض علينا أموراً عديدة لم نكن نتقبلها سابقاً، فالفتاة التي باتت تعاني من الوحدة وعدم وجود الشريك المناسب الذي كانت تطمح إليه، باتت تسعى لأن تعبّر عن مشاعرها تجاه شخصٍ ما خوفاً من فقدانه بشكلٍ أو بآخر، ورغبةً في العيش في كنف أسرة لطالما حلمت بها، غير آبهة بنظرة المجتمع لها إن هي باحت برغبتها أو بمشاعرها..

إلاّ أننا نقف أحياناً كثيرةً عند نظرة الشاب أو الرجل لهذه الحالة، وللأسف فإن التجارب المُعاشة أثبتت أن الرجل في مجتمعنا مهما امتلك من وعي وثقة بالنفس، إلاّ أنه في لحظاتٍ حاسمةٍ من حياته يعود القهقرى إلى المجتمع والتربية التي تلقنها من أبيه وجدّه، فإن شدّته تلك الفتاة القوية الشخصية والواثقة من نفسها في غمرة الحب وتأجج العواطف، فإن لحظةً واحدةً يعيشها بينه وبين نفسه تجعله يعدل عن تلك الفتاة ويسعى إلى غيرها ممن ربما يظهرن من الخجل الكثير، يتذرعن به كمصيدة للإيقاع بهذا الشاب أو ذاك ليس إلاّ… وبالتالي فإن القناعات التي حملها الشاب لم تترسّخ بعد في داخله بالشكل الذي يجعله مفاخراً بينه وبين نفسه بالارتباط بإنسانةٍ تعرف تماماً ما تريد…

فلنكن نحن أنفسنا، كما نريد، لا كما يريدنا المجتمع والأهل، وأن نمتلك القوة والشجاعة لنتمكّن من دفع ثمن قراراتنا وقناعاتنا، لا أن نتباهى بها نظرياً، ونبقى أسرى الصومعة المجتمعية عملياً…

العدد 1104 - 24/4/2024