ماذا يكمن وراء الاعتداء على ملالا يوسفزاي؟

أطلق من يُعتقد أنهم أعضاء في طالبان النار بصورة وحشية شبه قاتلة على التلميذة الباكستانية ملالا يوسفزاي، وركزت هذه الحادثة انتباه العالم على النزاع بين جماعة إسلامية مسلّحة ومؤيدين باكستانيين لتعليم النساء. أصيبت ملالا، البالغة من العمر 14 عاماً، بطلقات في رأسها وعنقها وهي في حافلة المدرسة، وفقاً لرفيقاتها في الصف، ونقلت بالجو إلى بريطانيا لتلقّي العناية الطبية بسبب الضرر الخطير الذي أصاب جمجمتها.

كانت ملالا، وهي ابنة معلم مدرسة، داعية صريحة لتعليم البنات منذ كانت في سن الحادية عشرة فقط. وأنشأت موقعاً على الإنترنت وأجريت معها لقاءات عديدة. وحظيت باهتمام وثناء عالميين، وخصوصاً من جانب سياسيين غربيين وشخصيات عامة. ولهذا السبب، كما ذُكر، اختيرت للاعتداء عليها.

تعيش أسرة ملالا في منطقة وادي سوات في باكستان، وهي منطقة جبلية جميلة تجتذب الكثير من السياح. ولكن معظم السكان الذين يعيشون هناك فقراء جداً. ويتعاطف الكثيرون منهم مع طالبان التي تقاوم التدخل الأجنبي في كل من أفغانستان وباكستان.

كان معدّل معرفة القراءة والكتابة في وادي سوات، إلى عهد قريب جداً، أعلى من بقية باكستان، وكان هناك الكثير من مدارس البنات. ماذا حدث هناك لتقوية نفوذ طالبان التي اتخذت موقفاً رجعياً للغاية بشأن حقوق المرأة؟!

 

عوامل وراء نفوذ طالبان

دفع البنتاغون، الذي يخوض حرباً كلية ضد طالبان في أفغانستان المجاورة، الجيش الباكستاني في عام 2009 لتنفيذ هجوم ضد طالبان في وادي سوات نجم عنه نزوح مليونين من السكان. خرج الكثير من الباكستانيين الأغنياء من الوادي مؤقتاً، خلال استمرار القتال، تاركين الفقراء يعانون وطأته. (الغارديان في 11 أيار 2011).

وكان المزارعون في وادي سوات من بين ال 5,3 ملايين باكستاني الذين باتوا مشردين نتيجة زلزال كارثي في عام 2005.

بعد ذلك، في عام ،2010 اجتاحت أسوأ فيضانات في التاريخ وديان النهر في المنطقة الشمالية الغربية، وسببت مقتل أكثر من ألف شخص وتشرُّد الكثيرين، وتحول ألم الذين يعانون إلى غضب عندما لم تصل المساعدة الحكومية.

ذكرت وكالة (سي بي سي نيوز) في 3 آب 2010: (يشكل غضب ضحايا الفيضان خطراً بالنسبة للحكومة التي تخوض أصلاً صراعاً، والآن تنافس الحركات الإسلامية في تقديم المساعدة في منطقة تتصف بنفوذ قوي لطالبان). كانت طالبان، حتى بعد استهدافها بحملة عسكرية كبيرة قبل عام فقط، قوية بما فيه الكفاية لتقديم مساعدة لضحايا الفيضان، الذين لم يتلقوا شيئاً من الحكومة، ما أكسب طالبان شعبية كبيرة.

وفي غضون ذلك، بدأت الولايات المتحدة تستهدف الوادي بهجمات بطائرات من دون طيار على من يشتبه أنهم أعضاء في طالبان. نفذت الطائرات من دون طيار ضربات صاروخية مدمرة على ما تبين فيما بعد أنه تجمع أسري  حفلات زفاف أو عيد ميلاد  فقتلت الأطفال والنساء والرجال.

تضافرت كل هذه العوامل  الكوارث الطبيعية والحرب الأمريكية في أفغانستان وتأثيرها على باكستان والفساد الحكومي الفاضح الذي تجلى في عدم وصول أموال الإغاثة عندما كان المواطنون جائعين وبلا مأوى  لتقوية النفوذ السياسي لحركة رجعية اجتماعياً، ولكنها أيضاً تضحِّي في مقاومة لا تلين للهيمنة الأجنبية.

 

وقف التدخل الإمبريالي

كانت البورجوازية الباكستانية والجيش الباكستاني منذ وقت طويل حليفين مهمين للإمبريالية الأنغلو أمريكية. وخلال الحرب الباردة، حكم الجيش طوال عقود باكستان برمتها، وتلقى مليارات الدولارات مساعدة أمريكية في الوقت الذي سحق فيه كل معارضة، وخصوصاً من اليسار والطبقة العاملة.

ولكن ثورة يسارية حدثت في عام 1978 في أفغانستان المجاورة حملت إلى السلطة حكومة علمانية حاولت تنفيذ الإصلاح الزراعي وإلغاء ديون الفلاحين، وأيدت حقوق المرأة وفتحت المدارس والعناية الطبية للجميع.

وكان من بين قادة الثورة أناهيتا واتبزاد، الماركسية ومؤسسة المنظمة الديمقراطية لنساء أفغانستان.

شكلت النساء بعد الثورة سبعين في المئة من المعلمين، وخمسين في المئة من الموظفين المدنيين، وأربعين في المئة من الأطباء في كابول.

ماذا حدث لهذا الإنجاز العظيم؟ أصيبت إدارة كارتر بدوار، بسبب الثورة في إيران التي أسقطت الشاه المدعوم من الغرب، وأغلقت أيضاً قاعدة استراتيجية أمريكية هناك. وبدأت هذه الإدارة تبحث عن بلدان أخرى في المنطقة تطلق منها طائرات تجسس على ارتفاع عال فوق الاتحاد السوفييتي. ووقع الخيار على أفغانستان. أنفقت وكالة الاستخبارات المركزية مليارات الدولارات لتجميع جيش معاد للثورة أطلق حرباً سرية ضد النظام التقدمي الذي كان عليه حينئذ التوجه إلى الاتحاد السوفييتي من أجل الدعم.

وفي الحرب الطويلة التي أعقبت ذلك، موّلت الولايات المتحدة وسلّحت ودربت القوى الأكثر رجعية وعداء للمرأة وتأييداً لمالكي الأراضي في أفغانستان من أجل إسقاط الحكومة اليسارية، وإسقاط إصلاحاتها العديدة واستخدام البلد قاعدةً عسكرية في المنطقة.

وكان من ضمن الموجودين على جدول رواتب وكالة الاستخبارات المركزية أسامة بن لادن وطالبان. ولا أحد يشك في ذلك.

ليس الغرب الإمبريالي من سينقذ الصبايا أمثال ملالا يوسفزاي. وليس الإسلام، حتى في شكله الأصولي، المسؤول عن إطلاق النار عليها.

إيران المجاورة، وهي دولة إسلامية، لديها اليوم أعلى نسبة الإناث إلى الذكور بين تلاميذ المدارس الابتدائية في العالم، وفق اليونسكو. ويشكل النساء أكثر من ستين في المئة بين الطلاب الجامعيين في إيران. ولكنها تواجه العقوبات الغربية وتهديدات حرب بسبب الثورة في عام 1979 التي حطمت القبضة الاستعمارية الجديدة لشركات النفط الأمريكية والبريطانية.

من أجل دعم النساء في باكستان ينبغي إخراج الولايات المتحدة ووقف الحرب وهجمات الطائرات من دون طيار ووقف التدخل الإمبريالي.

العدد 1105 - 01/5/2024