الاستقلال الاقتصادي لم يُفضٍ إلى استقلال كامل

 خرجت المرأة إلى العمل لعدة اعتبارات، ذاتية أو عامة، فالعمل يوفر لها فرصة تحقيق ذاتها التي لا تزال حتى يومنا هذا تبحث عنها، لاسيما إن كانت تعمل في المجال الذي ترغبه وتطمح من خلاله إلى التميّز والتفوق، وبالتالي تحقق ما تصبو إليه بأن تكون لها شخصيتها المستقلة والقادرة على خوض غمار الحياة، والإمساك بزمام أمور حياتها الخاصة، فلا يُفرض عليها زوج ما لمجرد أنها بعمر معين، أو لأنها بحاجة إلى من يُعيلها، وهنا جوهر الموضوع… الاستقلالية الاقتصادية، التي هي أحد الاعتبارات التي نشدتها المرأة من خلال العمل، لما لها من أهمية في الوصول إلى الاستقلالية الكاملة في كل مجالات حياتها…

ساهم عمل المرأة في مساندة الرجل على تحمل أعباء الأسرة الاقتصادية، وتحديداً في مثل الظروف الحالية التي نحياها، إلاّ أن هذا العمل لم يحقق مجمل أحلام المرأة ورغباتها ، ففي ظل هذا الغلاء الفاحش، وغياب الرجل عن البيت وتحمُّلها مهام عديدة، اضطرت المرأة للعمل في مجالات قد تكون بعيدة كل البعد عما تريده، فقط لأن المردود المادي يغطي بعضاً من تكاليف المعيشة والمصاريف المتزايدة، إلاّ أن المشكلة الأكبر التي تعترض المرأة هنا، أن عملها هذا لم يحقق لها ذاتها واستقلاليتها سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو…. الخ، بل زاد عليها جملة من الضغوط، وكرّس تبعيتها التي تُعاني منها منذ عصور سحيقة، فقد بات من المفروض عليها العمل خارج المنزل وداخله في آنٍ واحد، وزاد تعبها وإرهاقها سواء جسدياً أو نفسياً، فإن طالبت الرجل بتحمّل مسؤولياته التي من المفترض أن تكون مشتركة معها في البيت، فإنه يعيّرها بعملها خارجاً وكأنها تذهب للعمل من أجل أمور أخرى وليس من أجل أن ينهضا معاً بأعباء الأسرة.

بالتالي فإن قلّة قليلة من الرجال من يقومون بأعمال منزلية بغرض مساندة المرأة وإنصافها، وإن لم تتطرق لهذا الجانب، فإنه أثناء تحمّلها لأعباء العملين خارجاً وداخلاً ستتراكم في داخلها الكثير من المتاعب، وبالتالي ستصبح عرضةً للانفجار في أية لحظة، فهي بالنهاية إنسان له طاقة وقدرة محددة على التحمّل، وهنا ستتطور الأمور إلى مشاكل أسرية وزوجية لن يفهم الرجل سببها على اعتبار أنه نشأ على أن العمل خارج المنزل من اختصاصه، بينما العمل المنزلي لا علاقة له به مهما كانت ظروف تلك المرأة التي تُشاركه الحياة على اختلاف صلتها وقرابتها به… لاسيما في ظل غياب اهتمام كامل من قبل الدولة للمرأة العاملة/ الأم، التي يُضاف إلى كل مسؤولياتها مسؤولية رعاية الأبناء والاهتمام بدراستهم وتحصيلهم العلمي وتربيتهم….

إذاً… في ظل هذه الصورة، أصبح على المرأة النضال من أجل تحصيل حقوقها على عدة مستويات، ولربما أهمّها تربية أبنائنا الذكور منهم على إدراك أهمية التشاركية في الحياة مع الأنثى، ودعم الإناث منهن في معركة البحث عن الذات، وبالتالي الوصول إلى ثقافة مجتمعية متحضّرة تهدف إلى خلق أجيال متشاركة في كل مجالات الحياة…

العدد 1105 - 01/5/2024