تحررها الاقتصادي لم يكسر أغلالها

 كان العلم ومن ثمّ العمل من أهم طموحات المرأة، باعتبارهما من الأسس المتينة لانطلاقها وتحررها من قيود تبعيتها لرجال القبيلة داخل المجتمعات العربية والإسلامية.

وفعلاً، خرجت المرأة تعمل في شتى القطاعات والمهن، وأصبحت تتقاضى أجراً مساوياً لأجر الرجل في بعض البلدان، بعد أن كانت تكدح طوال اليوم في البيت أو الحقل بلا أجر، لكنها بقيت إضافة إلى دعمها رهينة الأعمال والأعباء المنزلية والحقلية دون مساعدة، أو أيّ اعتبار للوقت والجهد والتعب الذي ينال منها على مدار اليوم، وبالتالي ما ينتج عن هذا الإرهاق من ضغوط نفسية تجعلها في حالة قلق وتوتر شبه دائم. وهذه واحدة من الأغلال التي بقيت حتى اليوم تُكبّل حياة المرأة لاسيما المتزوجة.

غير أن الرياح لم تجرِ كما تشتهي الأحلام دوماً، خاصة أحلام المرأة التي نُسجت على نول عملها وتحررها المادي الذي ظنّت أنه سيجعلها صاحبة قول وفصل، ولم تكن تدري أنه سيُنظر إلى عملها وأجرها على أنه مورد إضافي للأسرة فقط، دون أن يترك ذلك أثراً ولو طفيفاً على حقوقها المنشودة على مختلف المستويات، باستثناء بعض الأثر عند العاملة العازبة، أو عند المتزوجة التي صار بإمكانها حين تُصبح حياتها مع الزوج مستحيلة، أن تطلب الطلاق وهي غير خائفة من مصير الجوع والعوز مع أطفالها خلافاً لمن لا تعمل، لكنها في الوقت ذاته تخرج خالية الوفاض إلاّ من قهرها رغم أنها ساهمت وبقدر مساوٍ للرجل إن لم يكن أكثر في تأسيس مسكن الزوجية. فالمرأة العاملة في كثير من الأحيان ليست حرّة التصرف حتى براتبها، بحجّة أنها لا تُحسن التصرف وإدارة الأموال. إضافة إلى أنها بقيت رهينة الذهنية المجتمعية المُفضية إلى تبعيتها المُطلقة للرجل بحكم ولايته عليها في مختلف شؤون حياتها، ومنها حريّة التنقّل التي قد تتطلبها الحياة العملية والمهنية للمرأة، إذ لا يحق لها أن تُسافر دون إذن الولي (أب، أخ، زوج..).

بعد كل هذا، هل يمكننا أن نعتبر أن تحرر المرأة الاقتصادي قد عمل على تحررها كما ينبغي، وأنه فكّ قيودها التي كبّلتها بها النظم والأعراف الأسرية والدينية والاجتماعية والسياسية..؟

العدد 1105 - 01/5/2024