عملنا…وما تحررنا

عملنا وما تحررنا…هذا هو لسان حال المرأة العاملة في مجتمعات الشرق…فالعمل لم يحقق لهن استقلالية ،اقتصادية، لأن ثمار عملهن غالباً تصبُّ في جيب رب البيت… ولا أعفاهن من مهمتهن التاريخية في أعمال المنزل والأطفال. لن نعيد الكلمة الشعار التي تتكرر على الألسن كل لحظة: العمل شرف الإنسان، بل نقول إن العمل هو ما يمنح حياة الإنسان عنواناً ولوناً ورونقاً…

كيف أصبح العمل حكراً على الرجل رغم أن العلم لم يثبت أي فروق تعيق أداء المرأة لأي عمل يقوم به الرجل، باستثناء الأعمال الشاقة والمجهدة التي تحتاج إلى جهد عضلي لا يناسب الإمكانات الجسدية للمرأة.

لكن هناك أعمال تقوم بها المرأة أيضاً لا يستطيع الرجال القيام بها أو إتقانها على الأقل، وليست محصورة بالطبخ والغسيل والعناية بالأطفال، وهي أعمال يرقى بعضها إلى مرحلة القداسة، فكم رجلٌ حاول أن ينوّم طفلاً، أو يغيّر له (حفاضاته) أو يحممه…. الخ؟ وهي أعمال تجد المرأة متعة في أدائها رغم التعب الذي يعتريها مراراً. موضوعنا ليس هنا، إنه موضوع خروج المرأة من البيت للعمل وعلاقة هذا الأمر بحريتها أو تحررها.

عموماً إن خروج المرأة من أسر البيت وأعماله كواجب حصري لها، هو نقلة مهمة في حياتها نحو تحررها من قيد واحد من قيودها، لكن في مجتمع كمجتمعنا فإن عمل المرأة يزيد عليها الهموم والتعب من جهة أخرى، فهي تخرج مثل الرجل وتقضي نهارها في عمل مرهق فكرياً وجسدياً، ثم ما إن تصل إلى المنزل حتى تبدأ دوامها الثاني في المطبخ والحمام وتوضيب البيت وترتيبه وشطفه، وإعداد الطبخة التي يحبها عنترة الذي عاد من عمله متأففاً متبرماً، ودخل الحمام وبدأ بالصراخ إن لم يجد ماء ساخناً، ثم يتمدد وهو يقلب المحطات وينادي زميلته العاملة لتسرع بإعداد الطعام…

قبل الحرب كان معظم الرجال (والموظفون خصوصاً) يعملون عملاً ثانياً ليستطيعوا تلبية احتياجات أسرهم، وبالتالي تحقق نوع من المساواة فيما يخص المرأة العاملة، فالرجل الذي تعد له طعامه وتغسل ملابسه وتحقق له شروط الراحة النفسية والجسدية ليلاً ونهاراً، يعمل أيضاً بعد دوامه ولا يعود من دوامه الثاني إلاّ وقد أخذ منه التعب كل مأخذ.

الآن وقد طوت الحرب عامها الخامس، فإن حلم الدوام الثاني أصبح شبه مستحيل، بل إن الدوام الأول أي فرصة العمل تكاد أن تصبح حلماً بسبب توقف معظم النشاط الاقتصادي في البلاد، وليس أمام الرجل والمرأة سوى الالتقاء بعد دوامهما في منزلهما الذي نجا من الحرب، أو في بيتهما المستأجر بعد نزوحهما أو في مركز الإيواء، وتبادل الهموم والذكريات والاتفاق على طبخة الحد الأدنى.

هكذا فعلت الحرب هنا أيضاً، ألغت المساواة العابرة المجازية طبعاً، وعاد حليم إلى عادته القديمة، فيما بقيت حليمة تحلم بالحرية.

العدد 1105 - 01/5/2024