البرنامج النووي لكوريا الديمقراطية قوة للسلم وليس تهديداً

أطلقت جمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية في 12 كانون الأول 2012 بنجاح قمراً صناعياً إلى المدار، على أساس تكنولوجيا طورها وبناها كلياً أبناؤها، وبذلك انتقل البلد تماماً نحو التسهيلات العصرية التي تتمتع بها معظم البلدان الأخرى. فمن الثابت أن الصور التي تنقلها الأقمار الصناعية قد تكون أساسية لتحسين الزراعة وتفادي آثار الكوارث الطبيعية التي تهدد البلاد، ونشر المعلومات إلى السكان، ومن ضمنها التعليم والخدمات الطبية، إضافة إلى الإنترنت ناهيك بالملاحة.

لا يمكن التفكير في أوربا وأمريكا واليابان والصين بالحياة دون تكنولوجيا الأقمار الصناعية. ويتيح القمر الصناعي الكوري الديمقراطي جلب هذه المزايا كلها إلى البلد، ولكن أعداء الشيوعية كلهم في العالم الإمبريالي صرخوا أن كوريا الديمقراطية لا تملك الحق بإطلاق قمر صناعي، وأن ذلك كان استفزازاً وانتهاكاً لقرارات الأمم المتحدة وهلم جرّاً. أما المسوغ لهذا الهيجان الهستيري فهو الصاروخ المستخدم في إطلاق القمر الصناعي الذي قالوا إنه يمكن استخدامه على حد سواء لإطلاق قذيفة باليستية بعيدة المدى قادرة على ضرب بلد أعزل ومحب للسلم مثل الولايات المتحدة. لذلك، ووفقاً للمنطق الإمبريالي، لا تستطيع كوريا الديمقراطية أبداً إطلاق قمرها الصناعي، مهما كان غرضه سلمياً، دون أن يرقى ذلك إلى مستوى مناورة عدوانية تستهدف قبل كل شيء الولايات المتحدة، وكذلك كوريا الجنوبية واليابان.

لا يمكن بالطبع نفي أن كلاً من الصاروخ والقمر الصناعي يمكن استخدامهما لأغراض عسكرية، نظراً لأن كوريا الديمقراطية هُددت غير مرة بضربة نووية من جانب الولايات المتحدة (انظر مثلاً كووين دي سوستير، الحرب الكورية الباردة 1953  ،2013 ليستوار آذار ،2013 نقلاً عن الحياة في 13 آذار 2013)، ونظراً لأنها سُميت بلداً جزءاً من محور الشر الذي تزعم الولايات المتحدة لنفسها الحق في توجيه ضربة نووية وقائية له في أي وقت تختاره، كما أنها مهددة بترسانة ضخمة من الرؤوس الحربية النووية وضعتها الإمبريالية الأمريكية في كوريا الجنوبية، إضافة إلى أنها أُخضعت ظلماً لنظام من العقوبات الاقتصادية الرامية إلى التسبب في ضرر بالغ، لذلك من غير المحتمل ألا تكون إمكانية استخدام الصواريخ والأقمار الصناعية لأغراض ردعية قد خطرت على الإطلاق في أذهان من يطورون تلك التقنيات في كوريا الديمقراطية. وفي رأينا أن قدرة كوريا الديمقراطية على صد أي عدوان يُشنُّ ضدها هي الضمانة الوحيدة الممكنة للسلم في شبه الجزيرة الكورية. من يملك الحق في أن ينكر على بلد مستهدف بتهديدات عسكرية لا تنتهي من الولايات المتحدة، ترافقها أحقر بروباغندا ازدرائية صادرة عن الإعلام وكل مؤسسة أكاديمية، أن ينكر عليه حتى حق الدفاع عن نفسه، ناهيك بتحسين زراعته وإدارة الكوارث، والاتصالات وأنظمة الملاحة لفائدة الناس العاديين؟

وعلى الرغم من أن الإمبريالية الأمريكية غارقة حتى أذنيها في حروب عدوانية من أجل الهيمنة في العراق وأفغانستان وليبيا وسورية، وبازدياد في إفريقيا، إلا أن آلتها الدعائية لا تزال تتدبر تقديمها كبلد ديمقراطي محب للسلم، وهي قادرة على ممارسة نفوذ هائل على أعضاء مجلس الأمن الدولي، وحتى إلى حد ما على الصين وروسيا اللتين هما نفساهما هدفان مستقبليان محتملان لعدوان أمريكي، من أجل تمرير قرارات ضد كوريا الديمقراطية تشكل إهانة لحقوقها السيادية وتناقض تماماً روح ميثاق الأمم المتحدة. وفي الواقع أجاز مجلس الأمن الدولي في 22 كانون الثاني

 ،2013 بتأثير من الإمبريالية الأمريكية، قراراً سخيفاً وحقوداً من هذا النوع. تم تبني قرار مجلس الأمن رقم 4087 بالإجماع في 22 كانون الثاني، بعد أكثر من شهر على نجاح كوريا الديمقراطية في إطلاق قمر صناعي إلى المدار. زعم المجلس أن الإطلاق انتهك حظراً على استخدام كوريا الديمقراطية لتكنولوجيا القذائف البالستية كان قد فُرض على البلد بعد إجرائه التجربتين النوويتين في عامي 2006 و2009. بعد الإطلاق مباشرة اجتمعت الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية واليابان وبريطانيا وقوى إمبريالية أخرى في مطالبة صاخبة بفرض عقوبات جديدة قاسية، لم تؤيد روسيا والصين هذه العقوبات، إلا أن القرار المذكور كان مع ذلك إهانة كبيرة ومحاولة لانتهاك سيادة كوريا الديمقراطية.

(تنديد مجلس الأمن بإطلاق كوريا الشمالية القمر الصناعي في كانون الأول جمّد أيضاً كل الودائع الأجنبية لقادة البرنامج الفضائي وحظر الرحلات الدولية على اثنين من قادته واثنين من المسؤولين المصرفيين. من المحتمل أن تغضب خطوات كهذه كوريا الشمالية التي لا تزال تحتفل بأول إطلاق ناجح لقمر صناعي.. لقد أصبح الأشخاص الذين جرت تسميتهم بمثابة كبار أبطالهم الوطنيين). (أوستين رمزي، بعد الإطلاق الناجح للقذيفة، كوريا تهدد بتجربة نووية جديدة، مجلة تايم في 24 كانون الثاني 2013).

لا تتحمل كوريا الديمقراطية تقبل هذا القرار العدواني بخنوع، ولو فعلت ذلك لشجعت فقط الإمبرياليين في عدوانهم. وكانت لجنة الدفاع في كوريا الديمقراطية محقة تماماً عندما ردت بجرأة قائلة، وفق وكالة الأنباء الكورية الديمقراطية: لا نخفي أن تشكيلة الأقمار الصناعية والصواريخ البعيدة المدى التي ستطلقها كوريا الديمقراطية واحداً بعد الآخر، والتجربة النووية، من المستوى الأعلى التي ستجري في عمل قادم، مرحلة جديدة من النضال ضد الولايات المتحدة الذي انتقل من قرن إلى قرن.

وأعلنت وزارة الخارجية الكورية الديمقراطية أنها (ستواصل برنامجها المتعلق بالأقمار الصناعية والفضاء، وأن البلد استخلص استنتاجاً نهائياً هو أن نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة الكورية مستحيل دون تحقيق نزع السلاح النووي من العالم، كما أصبح واضحاً أن سياسة الولايات المتحدة المعادية لكوريا الديمقراطية لم تتغير.. يمكن أن تكون هناك محادثات من أجل السلم والاستقرار في شبه الجزيرة الكورية والمنطقة في المستقبل، ولكن لا محادثات بشأن نزع السلاح النووي من شبه الجزيرة).

وتأكيداً لكلامها أجرت كوريا الديمقراطية في 12 شباط ثالث تجربة نووية لم تكن قوتها الانفجارية أكبر من التجربتين السابقتين فحسب، بل كذلك:

(توحي تجربة هذا الأسبوع أن علماء بيونغ يانغ حققوا تقدماً في صنع أسلحة أصغر وأكثر قوة. ألمح إعلام الدولة في كوريا الشمالية إلى أنها قد تكون استخدمت اليورانيوم العالي التخصيب كمادة انشطارية للقنبلة، ويمكن أن يكون بديلاً للبلوتونيوم الذي نشرته في التجربتين السابقتين. وتمكنت بيونغ يانغ أخيراً في كانون الأول من وضع قمر صناعي في المدار. كل الأدلة توحي أن بيونغ يانغ تتقدم شيئاً فشيئاً نحو هدفها في إنتاج صاروخ باليستي عابر للقارات قادر على حمل رأس حربي نووي بعيداً حتى الولايات المتحدة). (ديفيد بيلينغ) فايننشال تايمز في 14 شباط 2013).

نتيجة لسياساتها العدوانية ضد كوريا الديمقراطية، وعملها بطريقة فظة ووقحة لإحداث تغيير النظام، وإحلال الرأسمالية والتبعية الاقتصادية بديلاً عن الاشتراكية والسيادة الوطنية، بدأت الولايات المتحدة تحصد ما زرعت، ومع كل ثروتها وقوتها وشرها لا تستطيع فعلياً عمل شيء للتنفيس عن غيظها المحبط على هذا البلد الصغير الذي تجرأ على الوقوف بثبات في وجهها.

تستطيع محاولة فرض المزيد من العقوبات بهدف إجاعة الشعب الكوري حتى يركع:

(إذا اختار الغرب ذلك، فمن المحتمل أن يجد طرقاً يستطيع بها تشديد الخناق. إحداها إحياء العقوبات المالية التي فرضتها الخزانة الأمريكية بفعالية في عام ،2007 مع أن بيونغ يانغ قد تكون أقل تأثراً بهذه التكتيكات مما كانت عندئذ. الأخرى يمكن أن تكون ترتيب نوع من الحصار البحري لاعتراض السفن الذاهبة إلى كوريا الشمالية ومنها. ولكن واشنطن نأت بنفسها عن الطريقتين جزئياً، لأن إجراءات كهذه لن تؤلم حقاً إذا لم تشارك فيها الصين). (ديفيد بيليغ، المصدر السابق).

بكلمة أخرى، العقوبات الإضافية لن تكون بالتأكيد فعالة دون تعاون صيني، إلى مدى أبعد من منح التأييد لهذا القرار أو ذاك في مجلس الأمن الدولي. تزود الصين كوريا الديمقراطية بالنفط. وبلغ تبادلها التجاري مع هذا البلد في العام الماضي نحو 6 مليارات دولار، ما يعادل ثلثي تجارة كوريا الديمقراطية، وهو ليس بالمبلغ البسيط بالنسبة لاقتصاد يبلغ إجمالي إنتاجه 40 مليار دولار فقط. وزادت الصين في الأعوام الأخيرة ارتباطها الاقتصادي مع بيونغ يانغ مانحة تأشيرات لآلاف من الكوريين الديمقراطيين للعمل في الصين (مع تحويل الأجور) ومستثمرة بكثرة في البنية التحتية ما سيسمح لها بالوصول إلى ما يقدر بستة تريليونات دولار من الاحتياطيات المعدنية الكورية الديمقراطية. ولن يُعرّض الصين للمخاطر وجود نظام يقف بينها وبين بلد يستضيف قوات أمريكية.

العدد 1107 - 22/5/2024