عن الانتخاب والمنتخب

يعرّف الانتخاب بأنه اختيار عنصر ما من بين مجموعة من العناصر، وقد جرت العادة على ربط الانتخاب بال (اصطفاء) بمعنى اختيار العنصر الأفضل. وعند الحديث عن الناس يعرف الانتخاب بأنه اختيار شخص أو أكثر من بين مجموعة أشخاص بسبب امتلاكه أو امتلاكهم مقومات معينة تؤهلهم للاضطلاع بمهمة محددة، وهنا يمكننا تصنيف الانتخاب بحسب الطرف المنتخب (بكسر الخاء) إلى: أولاً:الانتخاب أو الاصطفاء الإلهي حيث يصطفي الله مجموعة من عباده لتقاهم وصلاحهم، وهذا ما ليس لنا طاقة بمناقشته هنا. وثانياً: الانتخاب الطبيعي الذي اكتشفه تشارلز داروين سنة 1859 وتقول نظريته إن الطبيعة تختار الأفضل والأصلح للبقاء وتنحّي من هو غير كفء لذلك، وهذا ما نراه حالياً في المناطق التي ترك فيها الحبل على الغارب، فسادت شريعة الغاب وعملت الطبيعة البشرية الهمجية عملها وكأنه لم يطلها التحضر أو العمران، فتحولت مناطق سكنية إلى اعتناق شريعة الغاب حيث البقاء للأقوى والفناء للأضعف.

أما ثالثاً: فهو الانتخاب الذي وضعت أسسه أثينا في القرن الخامس قبل الميلاد وهو يقوم على اختيار الشعب لممثليه في المناصب المختلفة، وهو ما زال متبعاً حتى اليوم في جل دول العالم، تنظمه الدساتير وتشرف عليه هيئات مختصة وتقبل جميع الأطراف بحكمه.

لكن هناك بعض الظواهر التي لا تندرج ضمن الفئات الآنفة الذكر مع أنها تظهر بكثرة في مجتمعنا، فمنها ما تطالعنا به بعض القنوات التلفزيونية خلال تغطيتها للبازارات التي تقام في الفنادق الفخمة المتعددة النجوم احتفالاً بعيد الأم، والتي ينظمها بحسب تلك القنوات (نخبة) من سيدات المجتمع ذوات الوجه البشوش والابتسامة البعيدة عن التكلف، وهنا يتساءل المشاهد عن كيفية (سيادة) أولئك النسوة للمجتمع؟ وقد يدور في خلده سؤال آخر عن العملية الانتخابية التي صنفتهن كنخبة؟ وهل يكفي أن تقوم سيدة ما بدفع مبلغ ما، ثم الوقوف خلف طاولة ما في أحد البازارات لاعتبارها من سيدات المجتمع أو (النخبة)؟ أم أن لأولئك السيدات نشاطات أخرى تتم في الظل تقمن خلالها بزيارات دورية تشمل جميع أطياف المجتمع الذي هن من (سيداته) ويقدمن خلالها الدعم لكل محتاج ومحتاجة، وهن حريصات كل الحرص على عدم اصطحاب أي وسيلة إعلامية خلال هذه الأنشطة؟ وهل كان الدكتور زياد الريس مؤلف مسلسل (يوميات مدير عام) يتحدث عن مجتمع غير موجود فعلياً هو ذاك تصبح فيه المرأة من سيدات المجتمع ما إن يتقلد زوجها منصباً ما في الدولة؟

قد يبدو من الصعب الانضمام إلى النخبة المذكورة سابقاً والتي تحتوي على مجموعة أخرى تعد نفسها (نخبة النخبة)، لكن هناك (نخبة) أخرى يمكن الانضمام إليها بكل يسر وسهولة هي تلك التي تسمى بالنخبة المثقفة، التي لا تشترط على أعضائها سوى الخروج عن المألوف ومعارضة كل ما هو سائد بالمجتمع، مع الاستشهاد بمقاطع من الكتب التي لا يفهمها الإنسان العادي (أي الإنسان الذي هو خارج النخبة المثقفة) ولم يسمع بمؤلفيها نظراً لمحدودية تفكيره وقصر نظره، كما أنه يجب عليه أن يرى ما لا يراه الآخرون وأن يطالب بما لم يخطر لهم على بال، لأن ذلك يعتبر مؤشراً على بعد النظر والارتقاء بالتفكير، فعند توفر تلك المقومات مع تزكية من قبل بعض المحيطين أو المتابعين على شبكات التواصل الاجتماعي يتم اعتبار المرشح عضواً بالنخبة المثقفة بشكل رسمي، ليبدأ بعد ذلك مهمته ببناء الوطن والارتقاء به.

وفي النهاية يجب التنبيه إلى أنه من الممكن الجمع بين عضوية كلا الفئتين أي أن يكون الشخص من النخبة أو نخبة النخبة بالمجتمع (سادة المجتمع) وهو في الوقت نفسه من النخبة المثقفة في ذاك المجتمع.

العدد 1105 - 01/5/2024