وشاية

كانت شمسٌ تمسح زينتها عن وجه الأرض!

والماء خفيفاً يحمل مركباً من ورق، شراعه نبضة حب، ومجدافه جناح نورسٍ أتقن الانتماء إلى عشّ أسكنه، في أحرّ مواسم اليباس، حديقةً وارفة الظلال، نسيمها ندى صباح، وفراشاتها شهد النشوة.

كيف يجري الماء تحت مركب من ورق هشّ.. ولا يغرق؟

كيف يصير الورق أثقالاً تنزل إلى قاع بحيرة ماؤها آسن، ما فارقت يوماً غرابيب الشؤم؟

وعلى شجرة الزقوم البعيدة، أنصتت بومة شؤم إلى بوح عاشقين، علّمها نابُ مخرّفٍ مغربيّ، كل فنون الشقّة التي تعلّمها من كتب الردّة.

نتفت ريشاتها السود، طحنتها بهون الحقد، ومزجتها بعاقصة عقرب ميت، ثم لوّنتها بالأحمر الخمري وسكبت فوقها زيتاً معصوراً من فتافيت عظام آدمية، ولفّتها بطرف شالٍ بنيّ.. ثم قالت للماء خذها إليهما..!

حملها الماء وهو لا يدري أن في طيّاتها السمّ، وعندما أوشكت أن تصدم المركب، شقّت حوريّة بيضاء ثوب الماء الأبيض، وحملت بوحَ العاشقَين هدوءاً حتى عتبة العشّ.

كانت شمسٌ تمسح زينتها عن وجه الأرض عندما أضاء القمر نجوماً تناثرت على صفحة الماء، تغمس ألوانها البنفسجية، وتنسج لحبيبتي ثوباً حريرياً يسع فرحنا.

غرقنا في أفراح نشوة خطْنا وسائدها بخيوط الحقيقة.. والبومة تنزف دمعاً أسود. والساحر المحنّك يطعن شؤمها بنابه الفولاذي.

إنه ماء يجري بنا لا من تحتنا.. إنه الشاهد الأصدق على عهد وفاء بين عاشقين، لنا عصافير الجنّة زمراً، وغابة من زهور البنفسج، وحب يرفع على صاري المركب علمه الأبدي. ربما مات الساحر، لكن البومة لم تمت.. وستبقى على غصن أجرد في شجرة زقوم، تجترّ الموت في كل يوم ألف مرة.

حبيبتي، لأنك أنت.. سيبقى المركب، والشراع، وغابة البنفسج، وأنا..

العدد 1105 - 01/5/2024