كذبة نيسان

الأشجار تزهر وتبرعم ولها سجل وتاريخ، كما هو الإنسان والبشر منذ أن تكونت الخليقة على الأرض.

وشهر نيسان من أجمل شهور السنة، فالأرض تزدهي بثوب مزركش بالألوان، وتفوح رائحة الورود في ربيع يفرش بساطاً أخضراً.

وغابت هذا العام وقبله بعامين كذبة الأول من نيسان دون ذكر، رغم أن كذبة نيسان لها تاريخ طويل من المفاجآت والصواعق، وذلك حسب درجة الكذبة وقوتها بمقياس (ريختر)، التي يمكن أن تؤدي الى حالات الإغماء والجلطات القلبية لمن لا يتحمل الصدمة.

هناك من يعتبر أول نيسان مناسبة للمداعبة والمزاح وتدبير المقالب الخفيفة. وهناك من لا يحسب أية حسابات النتائج كذبته التي يمكن أن تؤدي إلى نتائج مؤلمة وتعكّر أجواء الأسرة.

وتكشف سجلات كذبة نيسان وتاريخها، أن الملك شارل التاسع، في عام ،1564 قد تبنى التقويم المعدل في الأول من نيسان. وفي اليوم نفسه من العام التالي أطلق الفرنسيون موجة إشاعات كذبوها في نهاية اليوم. وبحلول القرن السابع عشر انتشرت كذبة نيسان بشكل واسع في اسكتلندا. وهكذا تحول الكذب إلى تقليد سنوي ليوم واحد فقط. وأصبحت كذبة أول نيسان من الموروث الشعبي ليس عند العرب فقط، بل في العالم كله!

هناك من فصَّل ثوباً أبيض لهذا اليوم وأطلق على كذبة أول نيسان (الكذب الأبيض) ووضع خطاً أحمراً بينه وبين الكذب الأسود. للتمييز. وهناك من يربط بين هذا اليوم وعيد (هولي) في الهند يوم احتفال الهندوس في 31 آذار من كل عام. وفيه يقوم بعض الناس بالكذب ولا يكشفون عن الحقيقة إلاَّ في مساء اليوم. أما في ألمانيا فهو يوافق يوم ميلاد الزعيم بسمارك. ويعدّه الإسبان يوماً مقدساً.

قالوا إن أول نيسان يوم للخداع والكذب الأبيض، لكنه يأتي أحياناً مؤلماً كالصاعقة. ويمكن أن يؤدي إلى أخطاء كبيرة ومفاجآت من (الانهيار والمرض والأزمات القلبية)، حسب قوة الكذبة ودرجة تأثيرها على الشخص. ويرى من يهتمون بالديمقراطية أن كذبة نيسان مشحونة بالديمقراطية، كما يشحن المواطن السوري البطارية التي يستخدمها أثناء انقطاع التيار الكهربائي. وتحقق هذه الكذبة المساواة بين الناس فلا فرق بين غني وفقير، وبين من هم (تحت) ومن هم (فوق). وفي حكاية يتداولها الناس دائماً في أول نيسان: أن الملك (كارول) ملك رومانيا كان يزور أحد متاحف العاصمة في أول نيسان فسبقه رسام مشهور، ورسم على أرضية إحدى قاعات المتحف ورقة مالية أثرية من فئة كبيرة، فلما رآها أمر أحد حراسه بالتقاطها.. لكن محاولات الحارس باءت بالفشل. وفي العام التالي رسم الفنان نفسه على أرض ذلك المتحف صوراً لسجائر مشتعلة، وبدأ يراقب عن كثب الزائرين وهم يهرعون لالتقاط السجائر.. هذه مداعبات لطيفة لن تسبب أية أضرار نفسية أو صحية، بل تشكل خدعة للناس على سبيل النكتة.

وزعم الصحافي العراقي محمد حسين جواد في عام ،1957 أنه أول من نشر كذبة نيسان في الصحف العراقية، عندما نشرت جريدة (الشعب) التي تحتفل بأول نيسان بذكرى صدورها، خبراً بقيام حفل ساهر في قاعة الملك فيصل.. ونشرت (كوبوناً) في مربع كبطاقة مجانية للدخول.. وبدأ الناس… ومنهم السفير السعودي يتقادمون ويسألون: متى تبدأ الحفلة؟

إن نيسان الذي يزهر بالفرح والأمل والتجدد والبهجة، يشكل شهراً ربيعياً انتقالياً بين الشتاء والصيف يبدأ بالكذب الأبيض. وعلينا أن نتذكر – بعيداً عن الكذب الأبيض أو الأسمر – أن رحيل آخر جندي فرنسي عن الأرض السورية في السابع عشر من نيسان وتكون الذكرى الـ 68 لعيد الاستقلال.. ويحتفل شعبنا وجيشنا الباسل بهذه المناسبة الوطنية الغالية بالجلاء .. عيد الحرية والاستقلال والسيادة.

العدد 1105 - 01/5/2024