الأمراض والجنسان

غالباً ما نضع افتراضات مرتجلة حول الفرق بين استجابة النساء والرجال للمرض. واستناداً إلى الآلام الشديدة والمفاجئة التي تصاحب الولادة نعتقد بأن النساء أكثر قدرة على تحمل الآلام، على حين يواجه الرجال مضايقات البرد بشكل بائس. فما هي الأدلة العلمية القاطعة حول ماهية تأثر الجنسين بالأمراض، وبالتالي كيفية استجابتهما للعلاج؟ من المعروف في المملكة المتحدة أن النساء يعشن أكثر من الرجال (الأرقام الحالية تقدر النسبة بأربع سنوات). النساء يراجعن أطبائهن الاستشاريين أكثر من الرجال وهنّ يدخّنّ ويشربن أقل من الرجال، وهرمونات النساء تساعد على حمايتهن من أمراض القلب لحين انقطاع الطمث. كما نعرف أيضاً أن بعض الأمراض تؤثر بالرجال أكثر مما تفعل بالنساء والعكس بالعكس. ولكن المعرفة حول الاختلاف بين النساء والرجال في كيفيه تعامل أجسامهما مع المرض نفسه قليلة نسبياً، وقد كشفتْ دراسة حديثة أجرتها مؤسسة فنلندية أن النساء أكثر تعرضاً لالتهاب المفاصل الرثياني المزمن من الرجال. فبعد دراسة ستة آلاف حالة مرضية، وجد الباحثون أن النساء يشعرن بآلام أسوأ إلى جانب درجات أعلى من التورمات والإرهاق اللذين يرافقان المرض عندما يصل إلى المستويات ذاتها لدى كلا الجنسين.

يقول البروفيسور آلان سيلمن؛ مدير مركز أبحاث المفاصل: (ربما كانت الهرمونات تلعب دوراً كبيراً في هذه الظاهرة. يساعد الهرمون الأنثوي؛ الأستروجين، على مضاعفة الالتهابات كما يؤدي إلى زيادة التورمات المؤلمة للمفاصل). كما أن الاختلافات في بناء الأجسام بين الرجال والنساء تلعب هي الأخرى دوراً هاماً إلى جانب الهرمون الأنثوي. يقول سيلمن: (لدى الرجال كتل عضلية أكثر وأقوى من النساء ما يؤمن لأجسامهم قدرة أكبر، وفاعلية أوسع، كما يخفض من درجة الإجهاد على المفاصل. كما أن توزيع الثقل لدى النساء أقل مما هو عليه لدى الرجال ما يؤدي إلى مضاعفة الثقل لدى النساء في بعض أجزاء الجسم دون الأخرى (الورك والركبتان). ولكن الأمور تنعكس عندما تتعلق بمرض الجدري؛ فحين يصاب به الذكور في سن المراهقة يمكن أن يشكل خطورة، وهناك إحصاءات تقول بأن ما بين خمسة وعشرين إلى ثلاثين شخصاً يموتون في بريطانيا كل عام بسبب هذا المرض. أما الدراسة الخاصة بهذا الموضوع والمنشورة في (بريتش ميدكل جورنال) عام 2002 فقد وجدت أن نسبة الوفيات بسبب هذا المرض بين الرجال هي ضعف نسبة الوفيات لدى النساء، ولكن دون الكشف عن الأسباب الحقيقية لهذه الظاهرة. إلا أن الطبيب نايغل هيغسون، الذي لديه اهتمام خاص بعلم الأمراض والفيروسات المسببة لها، يقول بأن مرض الجدري والنكاف مثل بقية أمراض الطفولة يمكن أن يؤثر على الرجال أكثر مما يؤثر على النساء. ذلك أن مرض الجدري والتهاب الغدة النكافية يمكن أن يؤديا إلى التهابات أخرى ينجم عنها انخفاض في إنتاج السائل المنوي مسبباً أضراراً دائمة في خصوبة الرجال.

من جانب آخر يمكن أن يشكل الربو تهديداً خطيراً على حياة النساء. تذكر بعض الإحصاءات أن 850 امرأة توفين بسبب الربو في المملكة المتحدة في سنة واحدة  مقارنة ب 349 من الرجال، كما أن عدد النساء اللواتي يرسلن إلى المستشفيات بسبب الربو يفوق عدد الرجال بدرجة كبيرة، وهذا أيضاً يتعلق بالهورمونات. حتى ما قبل سن البلوغ فإن الأطفال الذكور أكثر تعرضاً للإصابة بالربو، ولكن بعد سن البلوغ، وهنا يدخل دور الهورمونات، فإن عدد الفتيات يتضاعف. تقول الطبيبة (ألينا فايكرز)- مديرة مركز أبحاث الربو في المملكة المتحدة): (ثمة أدلة على علاقة الأستروجين بحساسية الرئتين) على حين يلعب التوستوتيرون- الهرمونات الذكرية- دوراً مضاداً. وهناك دراسات أخرى تثبت أنه في مرحلة ظهور الهورمونات الأنثوية فإن من 40 إلى 50 بالمئة من النساء معرضات لحالات خطيرة من الربو. وفيما يتعلق بتحمل الألم فإن النساء وبصورة مثيرة للدهشة أكثر تحسساً للألم. تقول الطبيبة جين كوينلان؛ الخبيرة بالتخدير والألم في مستشفى (جون راديكليف) في منطقة أكسفورد: (في الاختبارات، النساء يستجبن لحافز الألم بسهولة أكثر ويتحملن مستويات أعلى من الألم مما يمكن أن يتحمله الرجال). في الواقع، هناك تفسير وحيد لهذه الظاهرة: حين يسري الألم في الجسم فإنه ينتج الإفرازات الخاصة بتسكين الألم، ويبدو أن الأستروجين يخفض من نسبة تلك الإفرازات في الجسم كما أن الإحساس بالألم يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالعواطف، وربما تفسر النساء الألم في كونه أكثر خطورة مما يفسره الرجال. ولكن كيف يتحملن آلام الولادة؟

تقول كوينلان: (إن جاذبية الألم في الولادة ليس محل تساؤل، والنساء يتكيفن بشكل أفضل مع هذا الألم الاستثنائي لأنه متوقع ومحدود).

 

لوسي أتكنس

عن (The Guardian)

العدد 1104 - 24/4/2024