الأحوال الجوية… خمس أساطير

الطقس شديد الحرارة/ البرودة، والظروف الجوية السائدة في الولايات المتحدة ليست سوى الأخيرة في سلسلة من التغيرات المناخية الحادة، التي حدثت في العام الأخير، والتي شملت حدوث فيضانات كاسحة في باكستان وأستراليا، وموجات حرارة عالية في موسكو، وتساقط ثلوج كان هو الأغزر خلال ما يزيد عن قرن في كوريا الجنوبية. هذه الظروف الجوية القصوى توسع من حدود الخبرة البشرية، فما الذي يؤدي لمثل هذه الظواهر في الأساس؟ وماذا يمكننا أن نفعل حيالها؟

أولاً: الصيف الأخير، ليس في الولايات المتحدة فقط، كان أشد حرارة بكثير من المعدل الطبيعي. لكن أرقام هيئة الأرصاد الجوية الأمريكية تثبت أن هذا الصيف ليس شاذاً، ولا سابق له، وأن شهر تموز الماضي، مثلاً، احتل المرتبة رقم 316 في قائمة الشهور التي تجاوزت فيها درجة الحرارة متوسط الحرارة السائد خلال القرن العشرين بمجمله، أضف إلى ذلك أن الدرجة القياسية التي سُجّلت خلال ذلك الشهر يمكن أن لا تتكرر حتى وقت طويل.

ثانياً: الأحداث المناخية التي تحدث كل 100 عام، تحدث مرة واحدة فقط.

ينبغي، بدايةً، القول إن الأحداث المناخية المئوية لم تعد اسماً على مسمى. ففي عام 2005 على سبيل المثال، جاء الجفاف القاتل الذي قالت عنه هيئة الأرصاد الجوية الأمريكية إنه من النوع الذي لا يحدث سوى مرة واحدة كل مئة عام، متبوعاً بموسم جفاف يماثله في الشدة عام ،2010 أي بعد خمس سنوات فقط. وليس هذا هو الحدث المناخي الوحيد الذي قيل إنه لا يحدث إلا كل مئة عام مرة واحدة، ثم تبيّنَ أن ذلك الكلام غير صحيح، وأن هناك عدداً لا يحصى من الأحداث المناخية التي تتكرر بشكل متلاحق وخلال عدد محدود ومتتالٍ من السنوات. والدليل على ذلك الفيضانات المدمرة التي ضربت باكستان عام ،2010 وتلك التي غمرت أجزاء شاسعة من المناطق الشرقية في أستراليا، والمناطق الوسطى في الولايات المتحدة عام 2011. بناءً على ذلك، نرى أن الوقت قد حان لكي يأتي علماء الأرصاد الجوية بأسباب أكثر دقة لتفسير هذه الظواهر.

ثالثاً: الجفاف القاسي، والفيضانات الكاسحة لا يمكن أن يكون السبب فيهما معاً هو التغير المناخي. ظاهرياً، قد يبدو هذا القول صحيحاً للوهلة الأولى، ولكن الحقيقة أن التغير المناخي قد يكون هو السبب في الظاهرتين معاً. فقد اكتشف العلماء أن التغير المناخي يمكن أن يؤدي إلى فترات من الأمطار الغزيرة متبوعاً بفترات من الجفاف القاسي، وانقطاع هطول الأمطار. وهذا المزيج من العواصف القوية، ومواسم الجفاف يمكن أن يؤديا أيضاً إلى المزيد من الفيضانات، والانهيارات الأرضية، وتآكل التربة والكوارث.

رابعاً: درجة واحدة أو درجتا حرارة زائدتان ليستا بالأمر الخطير، حين تبلغ درجة الحرارة 35 درجة مئوية في الأماكن المفتوحة، فإن درجة واحدة زائدة قد لا تبدو بالشيء الكثير. ولكن إذا ما نظرنا إلى الموضوع من ناحية متوسط درجات الحرارة في مختلف مناطق الأرض، فإننا سنجد أن مثل هذا الارتفاع ينطوي على تداعيات هائلة، سواء بالنسبة للبشر أم لكوكب الأرض. ولفهم مدى أهمية هذا التغير، يكفي أن نعرف أن درجة الحرارة في العالم لم تزد منذ عصر ما قبل الثورة الصناعية حتى الآن إلا بمقدار 4,1 درجة مئوية، منها درجة مئوية كاملة خلال العقود الثلاثة الأخيرة فقط. وخلال نصف القرن الأخير، يلاحظ في العديد من مناطق العالم أن الأيام والليالي الباردة تزداد ندرة باستمرار، وأن الأيام والليالي الحارة تزداد تكراراً. وإذا لم تتخذ إجراءات صارمة لخفض نسبة انبعاث ثاني أوكسيد الكربون في كل أرجاء العالم، فإن كبار علماء المناخ في العالم يتوقعون أن يرتفع متوسط درجة الحرارة في الكرة الأرضية بمقدار 5,11 درجة مع نهاية القرن الحالي، ما يمكن أن يؤدي إلى عواقب وخيمة.

خامساً: (جميعنا يحب أن يشتكي من المناخ)، لكن هذه المقولة القديمة ليست دقيقة تماماً؛ لأن هناك العديد من الأشياء التي يمكن للحكومات والشركات والأفراد في كل أنحاء العالم القيام بها – بل وتقوم بها بالفعل – من أجل تقليص الاحترار الكوني، والاستعداد لمواجهة الأحوال الجوية القاسية. في هذا السياق، تشير الإحصائيات إلى أن هناك 85 دولة قد تعهدت بتخفيض الانبعاثات الغازية أو العمل من أجل الحد من ازديادها بحلول عام 2020 عن طريق التحول إلى الطاقة البديلة، وزيادة كفاءة الطاقة، وحماية الغابات، إضافة إلى مساعٍ أخرى عديدة تصب في اتجاه تحقيق الهدف ذاته.

في الوقت الراهن يستعد العديد من البلدان، والمدن، والمجتمعات، لمواجهة تأثير الزيادة المتصاعدة في درجات الحرارة العالمية. لكن، نحن أيضاً نستطيع أن نقوم بالمزيد من الجهود لتخفيض الانبعاثات الكربونية التي تزيد من تفاقم المشكلة في المقام الأول. فعندما يتعلق الأمر باحترار الكوكب، فإننا نرى أن الوقت قد حان كي نقلع عن التفوه بالكلام المضلل، وننصرف إلى العمل الجاد.

مانيش بابنا

جنيفر مورغان

 المصدر: (Csmonitor)      

العدد 1104 - 24/4/2024