من المسؤول عن وفاة المئات في انهيار معمل في بنغلاديش؟

أدى انهيار معمل في رانا بلازا في سافار ببنغلاديش في 24 نيسان، إلى مصرع أكثر من 1050 شخصاً، وكان معظم هؤلاء شابات سافرن من مناطق زراعية فقيرة للعثور على أعمال في صناعة الألبسة. وكان هؤلاء يعملون بأقل من 30 يورو بالشهر في صنع الألبسة لماركات عالمية مثل البريطانية (برايمارك)، والإسبانية (مانغو)، والإيطالية (بينيتون).

سلطت هذه الكارثة الأضواء على (مصانع البؤس) في قطاع النسيح الذي يعد ركيزة الاقتصاد في بنغلاديش، إذ يعمل العمال بأجر زهيد وفي ظروف بائسة.

وتعد بنغلاديش ثاني بلد مصدّر للنسيج في العالم بعد الصين، وتمثل هذه الصناعة أكثر من 40% من اليد العاملة في هذا البلد، و80% من صادراتها. وتدرّ هذه الصناعة 20 مليار دولار سنوياً على البلاد. وتكثر حوادث الحرائق في هذه المشاغل التي يبلغ عددها نحو ،4500 وتقام غالباً في مبان قديمة أو متهالكة. (الأخبار في 11 أيار 2013).

وذكر أن الكارثة الأخيرة كانت الأكبر في تاريخ صناعة الألبسة، وقد اجتمع الأقارب المكروبون حول أنقاض المبنى، حاملين صور بناتهم وأبنائهم، وشقيقاتهم وأشقائهم، وأمهاتهم وآبائهم وزوجاتهم، حتى عندما بات واضحاً أنه لا يوجد المزيد من الناجين.

ومن أصل 2437 عاملاً عثر عليهم أحياء، يعاني أكثر من ألف عامل إصابات مروعة، واحتاج الكثيرون منهم إلى عمليات بتر.. وفقدت أسر كثيرة معيليها الرئيسيين نتيجة الموت أو الإصابة.

وبعد الانهيار مباشرة، ثار العمال وتظاهروا غاضبين لأيام حول دكا العاصمة، وواجهتهم الشرطة بالغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي. طالب المحتجون بإنزال عقوبة الإعدام بمالك المبنى وأصحاب معمل الألبسة.

 

العمال يطالبون بالعدل

خرج عشرات آلاف المتظاهرين في دكا في الأول من أيار، مطالبين بزيادة الأجور وبظروف عمل آمنة، وبالعدل لرفاقهم العمال الذين ماتوا أو أصيبوا.

ونتيجة اهتياج العمال اعتقلت السلطات 12 شخصاً، من ضمنهم مالك المبنى محمد سهيل رانا، وأصحاب المصنع ومديرون ومهندسون. وكان سهيل رانا قد أكد قبل يوم من الانهيار أن البناء آمن، متحدياً أوامر الإخلاء، بعد ظهور شقوق كبيرة في الجدران. وأمر رؤساء معمل الألبسة المستخدمين بالعودة إلى مشغلهم، مهددين بحسم من الرواتب، على الرغم من معرفة الأخطار. أما المهندسون فقد شيدوا منشأة غير راسخة بنيوياً على أرض سبخة، وقد أوقف محافظ سافار عن العمل لإقراره خطط البناء غير القانوني.

وأمرت المحكمة العليا في بنغلاديش الحكومة بوضع اليد على أملاك سهيل رانا، وتجميد موجودات أصحاب معمل رانا بلازا، لدفع رواتب العمال.

سنرى إذا كان المتهمون سيحاكمون ويعاقبون على جرائمهم ضد العمال، إذ لم يسبق أن أدين صاحب معمل بالمسؤولية عن وفاة المستخدمين أو إصاباتهم في كارثة صناعية. ولا غرابة في ذلك، لأن أرباب العمل هؤلاء يملكون السلطة، الكثيرون منهم سياسيون ويحتلون عشرة في المئة من مقاعد البرلمان.. أما الرسميون فتحسروا لـ(تعطيل الإنتاج) و(اضطراب العمل)، في حين يقللون من شأن الدمار الخطير الذي خلقته هذه (المجزرة الصناعية). وليس هذا مفاجئاً نظراً لتحالف حكومة بنغلاديش مع أرباب العمل المحليين للحفاظ على نفقات العمل والإنتاج منخفضة، في حين تقمع النشاط النقابي، لتمكين الشركات الغربية من زيادة أرباحها إلى الحد الأعلى، ووفقاً لصحيفة (نيويورك تايمز) في 25 نيسان (تملك بنغلاديش كلفة العمل الأدنى في العالم).

 

عمالقة تجارة التجزئة

يرفضون خطة أمان

منذ حريق معمل أزياء تزرين في تشرين الثاني من العام الماضي، الذي أودى بحياة 112 عاملاً، التمس نشطاء عماليون من بنغلاديش والخارج اتفاقية من جانب تجار التجزئة الغربيين من أجل تفتيش مستقل وتمويل وقاية عمال الألبسة في البلد، البالغ عددهم أربعة ملايين. شركات غربية قليلة فقط وقعت اتفاقية بنغلاديش بشأن الأمان من الحريق والانهيار، ولم توقع شركة غاب وكبار مشتري ملابسها، وولمارت واتشهدام.

نأت الشركات الأمريكية والأوربية بنفسها بسرعة عن منتجي ألبسة رانا بلازا بعد الانهيار، كانت قلقة من أن تتأثر سمعتها ومبيعاتها بالترافق، ونقلت (نيويورك تايمز) في 3 أيار عن مدير كندي أن اثنتين فقط من أصل ثلاثين ماركة غربية تشتري البضائع التي تُصنع هنا علّقت على الكارثة.

التقت الوكالة الألمانية للتعاون الدولي مع 24 ماركة غربية كبيرة في 29 نيسان قرب فرانكفورت لمناقشة أزمة بنغلاديش. لاشك أن انفجار الصراع الطبقي قد أزعج تجار التجزئة الذين لا يريدون كلفة أعلى للإنتاج والعمل أو قوة عاملة متمردة. لا يريدون تحمل المسؤولية عن سلامة العمال، ولكنهم يريدون من حكومة بنغلاديش أن تحل المشكلات. يبحثون قبل كل شيء عن حماية أرباحهم الضخمة.

دعت إينيك زلدنروست، من حملة الملابس النظيفة ومقرها في أمستردام، الشركات إلى توقيع اتفاقية الحريق والسلامة في 15 أيار، وأقرت بأن لا شيء محدداً برز من اجتماع ألمانيا. قالت: لم يعد باستطاعة الماركات تسويغ أي تأخير إضافي.. إن انعدام التحرك الذي تبديه الماركات يرقى إلى إهمال إجرامي. (لوس أنجلوس تايمز في 30 نيسان).

هددت شركة (وولت ديزني) بوقف الإنتاج في بنغلاديش، خشية أن تزيد انتفاضة العمال كلفة العمل وتقرر أنه من الأفضل استغلال الطبقة العاملة في بلد فقير آخر، من إنفاق النقود على إجراءات السلامة لعمال بنغلاديش، والمجازفة بفقدان مقدار ضئيل من مكاسبها.

لو كانت هناك حماية نقابية لكان بإمكان عمال بنغلاديش رفض دخول رانا بلازا في 24 نيسان دون خسارة أجورهم أو أعمالهم، ولكنهم من دون الحماية النقابية يعامَلون فقط كآلة لصنع الأرباح للماركات الكبيرة، إنهم قابلون للاستبدال وحيواتهم مستهلكة.

ويقع اللوم أيضاً على واشنطن ولندن وباريس ومدريد، لعدم إصرارهم على ظروف عمل آمنة في مصانع تنتج السلع لشركات غربية، ليست سياسة الشركات فقط ما ينبغي الاحتجاج ضدها، إنه شيء أبعد من ذلك، إنه الاستغلال الكبير للعمل، جوهر العولمة الرأسمالية، إنه ما ينتج الأرباح الهائلة، الثروة. إنه الوجه القبيح  للعولمة الرأسمالية، للإمبريالية.

العدد 1104 - 24/4/2024