سؤال لليسار السوري

عندما احتلت الولايات المتحدة الأمريكية فيتنام، تشكلت جبهة موحدة تضم طيفاً واسعاً من الشعب الفيتنامي، من البوذيين إلى الشيوعيين لها هدف واحد: تحرير فيتنام. تكلل نضالها بالنصر. تبين تجارب مختلف البلدان والشعوب وجود أمثلة مشابهة.. أقصد لقاء مختلف الأحزاب والتيارات والأفراد ذات الأهداف والتوجهات المشتركة حول هدف محدد، مع احتفاظ كل طرف باستقلاليته.

هناك أمثلة من الحرب العالمية الثانية أو عندما حدثت  هزة كبرى في بعض المجتمعات تطلبت تضافر مختلف القوى والشخصيات التي تملك رؤى متقاربة بهدف إيجاد مخرج آمن يحقق المطالب العادلة للأوطان والشعوب.

لماذا أقول ذلك؟

تتعرض سورية منذ أكثر من عامين لأزمة بنيوية شاملة: عنف يضرب البلاد، آلاف الضحايا تسقط، تدمّر البنية التحتية للوطن، يزداد العنف والإرهاب التكفيري والفساد، حصار اقتصادي ظالم، تنتهك حدود الوطن بأشكال مختلفة، يزداد التجييش الطائفي، تتعاظم التجاذبات الإقليمية والعالمية وتتحول سورية إلى ساحة صراع إقليمي ودولي.

إن الشعب السوري،كل الشعب السوري، يدفع الثمن الأكبر ويتحمل إفرازات الأزمة سياسياً، واقتصادياً، واجتماعياً ونفسياً. تتكون في المنعطفات الكبرى للبلدان تحالفات جديدة بهدف الإجابة عن سؤال: تشخيص أسباب الأزمة وطرق الخروج منها؟ طبيعة وشكل مرحلة ما بعد الأزمة؟

أين اليسار السوري ورؤيته كأحزاب وهيئات وأفراد من ذلك؟ ألا يستحق مايجري أن يلتقي هذا الطيف الواسع حول هدف تحقيق مخرج سلمي مدني علماني وديمقراطي يحقق العدالة الاجتماعية ويحافظ على وحدة الوطن وحريته؟

أين موقعه في الصراع القائم؟ أين وجوده بين الشباب وفي الشارع؟ ماهو الدور التنويري الذي يقوم به لمجابهة المد الأصولي الطائفي؟ أين دوره في الحوار الوطني والمصالحة ومحاربة الفساد والاستبداد؟

أعتقد جازماً أنه ليس بإمكان أي حزب أو هيئة يسارية الإجابة وحده على هذه الأسئلة.. كما أدرك أنه لدى كل طرف من أطراف اليسار رؤيته وبرنامجه وجمهوره الخاص به. لكن هذا اليسار يعمل كجزر متباعدة. نعم جرت وتجري لقاءات ضيقة أو واسعة بين أطرافه، لكنها برأيي ليست كافية أو على مستوى الحدث. عندما أتحدث عن اليسار السوري أقصد الأحزاب والهيئات والشخصيات: الوطنية، الشيوعية، القومية، الماركسية، العلمانية الديمقراطية ومكونات المجتمع المدني. بمعنى كل من يقف ضد الفساد والعنف والإرهاب والاستبداد والطائفية والتدخل الخارجي.

إن تشكيل تيار/ لقاء واسع بين قوى اليسار السوري هي مهمة وطنية ملحة في هذه الظروف، تيار يلاقي متطلبات تطور الوطن والشعب ويضعها في سياقها الصحيح، يمكن أن يساهم هذا اللقاء في:

– تشكيل تيار شعبي واسع ضد العنف والاستبداد والفساد.

– يقطع الطريق على التيارات السلفية والتجييش الديني / الطائفي.

– يقطع الطريق أمام جميع أشكال التدخلات الخارجية.

– إيجاد مخرج سلمي للأزمة، عبر الحوار الوطني الشامل.

– وقف الشرخ في النسيج الوطني التعددي.

هل هذا ممكن؟ كيف يمكن البدء؟ أسئلة برسم جميع قوى اليسار السوري.

الحديث لايدور أبداً حول وحدة اليسار أو اندماجه أو إزالة التباينات الموجودة فيما بينه. المقصود توحيد جهوده حول أهداف محددة، مع احتفاظ كل طرف ببنيته التنظيمية وأساليب عمله.

إن إطلالة سريعة على أدبيات اليسار وبياناته ومواقفه مما يجري في سورية، تبين وجود تقاطعات كبيرة فيما بينه، وإن مايجمعه كبير بل وكبير جداً. ماذا ينتظر إذاً؟ ألا يستحق الوطن من مختلف أطياف اليسار التضحية ببعض (الأنا) في سبيل هدف كبير؟ هل نكرر تجربة تاريخية عندما كان بلد يحترق وسكانه يتناقشون حول أسبقية الدجاجة أم البيضة؟

لا أدعي أن لدي تصوّراً واضحاً حول كيفية تحقيق هذه الخطوة.. هل نبدأ بلقاءات ثنائية ثلاثية رباعية بين قوى اليسار ومن ثم شاملة قدر الإمكان؟ هل عبر تشكيل لجنة لصياغة برنامج عمل موحد حول مسائل محددة؟ إصدار نشرة ورقية أو إلكترونية باسم اليسار السوري؟ استخدام مختلف وسائل الإعلام المتاحة لإبراز صوت وطني يساري؟

إن مهمة لقاء قوى اليسار السوري أكثر من ضرورية، لأنه كما في المنعطفات الكبرى، يتم فرز كبير في المجتمع، وفي حالة سورية بدأ يتكون وإن بشكل جنيني تياران:

الأول: تيار وطني، علماني، ديمقراطي مدني.

الثاني: تيار الفساد، يميني ديني، سلفي يرتبط بالخارج ويعمل وفق أجندات ليست في صالح الوطن والشعب.

أزعم أن التيار الأول هو المؤهل لإيجاد مخرج سلمي للأزمة وبناء سورية الغد، دولةً مدنية تعددية وديمقراطية جميع أبنائها متساوون في الحقوق والواجبات، بغض النظر عن الانتماء الديني، والطائفي والإثني. لكن هذا يتطلب من جميع مكونات هذا التيار عملاً دؤوباً ومتعدد الاتجاهات، كي يحقق غاياته ويتحول إلى حالة جماهيرية. إن التأخر في البدء بهذه الخطوة وإنجازها يضع قوى اليسار السوري أمام مسؤولية تاريخية لاترحم، أي تقاعس في إنجازها مهما كان التبرير.

فهل نبدأ؟ سؤال برسم جميع أطياف اليسار السوري.

ستوكهولم

 

العدد 1104 - 24/4/2024