مركزية الشيوعي السوري «الموحد»:مواجهة العدوان الخارجي والإرهاب… دفاعاً عن الوطن الذي نحب!

قدم الرفيق حنين نمر، الأمين العام للحزب الشيوعي السوري »الموحد« تقرير المكتب السياسي للحزب أمام الاجتماع الموسع للجنة المركزية المنعقد بتاريخ 23/1/2013 والذي أقرته، وقد جاء فيه:

 

أيها الرفاق الأعزاء أعضاء اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري (الموحد) وأعضاء لجنة الرقابة الحزبية!

نقف معكم دقيقة صمت وحزن على شهداء الشعب السوري الذين سقطوا ضحية الإرهاب والإجرام، ونترحّم على الأرواح البريئة من مدنيين وعسكريين، والذين من بينهم أشقاء وأولاد وأقارب للرفاق الموجودين معنا الآن، كما نترحّم على أرواح رفاقنا الذين قضَوْا في الفترة الماضية، وتركوا في قلوبنا الحزن واللوعة. وهم الرفاق: يوسف الفيصل الأمين العام السابق للحزب، والمناضلون داود حيدو وواصل الفيصل وعبد الجليل بحبوح، وجميع الرفاق الذين قضوا. ونعاهدهم جميعاً بمواصلة السير على الطريق الذي ساروا عليه.

كان من المفترض عقد اجتماع اللجنة المركزية الدوري في الربع الثاني من العام الماضي، بموجب النظام الداخلي للحزب وخطة اللجنة المركزية، إلا أن تفاقم الوضع الأمني في البلاد جعلنا نميل إلى تأجيله  قليلاً أملاً في توفر ظروف أفضل لانعقاده. ولما صدرت قوانين الأحزاب والتظاهر السلمي والانتخابات، وجدنا أنفسنا أمام ملامح مرحلة جديدة تستدعي الدعوة إلى عقد اجتماع للمجلس الوطني بموجب أحكام المادة 29 من النظام الداخلي. وتقرر ذلك بالفعل على أن يُفوّض المكتب السياسي بتحديد الموعد لانعقاده.

إلا أن الظروف الأمنية ازدادت تعقيداً أكثر فأكثر، ومن أبرز مظاهر هذا التعقيد هو تقطع أوصال البلاد، وصعوبة أو استحالة الانتقال من محافظة إلى محافظة أخرى.

وأجرينا عدة مرات تقصّياً للمعلومات، تبين فيه أن إمكانية الحضور لاتزيد على 50% من عدد منظمات الحزب، وهو أمر غير مستحسن. وقد بحثنا الموضوع مرات ومرات في المكتب السياسي ولجنة الرقابة والتفتيش، وفي الاجتماعات الموسعة لأمانة المكتب السياسي التي دأبنا على عقدها لتوسيع دائرة النقاش واتخاذ القرار. ولما كان الوضع الأمني، على المستوى الإجمالي للبلاد، قد ازداد تعقيداً بحيث ازدادت احتمالات عدم إمكانية حضور عدد أكبر من المحافظات، وأن استمرار الانتظار دون أفق واضح حول اكتمال النصاب لم يعد مناسباً، لذلك فقد قررنا عقد هذا الاجتماع بمن حضر، على أن نسعى ما أمكننا لتأمين حضور أوسع.

 

أيها الرفاق!

هناك سبب آخر ذو أهمية قصوى يستدعي عقد هذا الاجتماع، هو أن تستعمل اللجنة المركزية صلاحياتها في الدعوة إلى عقد اجتماع للمجلس الوطني أو تأجيله إلى ظرف آخر، على ضوء المتغيرات القانونية الكبيرة التي تحصل في البلاد، نتيجة صدور قانون الأحزاب، واحتمال انفتاح البلاد أمام شكل جديد من أشكال النظام السياسي والدستوري في حال الذهاب إلى دستور جديد وإلى ميثاق وطني جديد وحوار وطني شامل، الأمر الذي أشارت إليه المبادرة السورية الجديدة، مع ما يتبع ذلك من احتمال طرح وضع ومصير الجبهة الوطنية التقدمية على بساط البحث، وعلى ضوء نشوء عدد كبير من الأحزاب الجديدة أيضاً. أضف إلى ذلك كله ضرورة تقييم سياسة الحزب في المرحلة السابقة واستخلاص النتائج منها.

 

أيها الرفاق!

إن اجتماعنا هذا إذن، مدعو للموافقة على دعوة المجلس الوطني للاجتماع، أو تأجيله إلى حين توفر الظروف اللوجستية لعقده على نحو أنجح وأكثر تمثيلاً، خاصة في ظل الظروف الأمنية الشديدة التعقيد والخطورة، سواء في كل محافظة على حدة، أم على مستوى الاتصال بين المحافظات، آخذاً بالحسبان أيضاً، أن آفاق تطور الوضع السياسي المستقبلي غير واضحة، وهي قد تتطور نحو الأحسن أو الأسوأ.

 

من أزمة… إلى كارثة!

رفاقنا الأعزاء!

إن الأزمة التي تعيشها البلاد منذ نيف وعشرين شهراً تضعها في حدود الكارثة، وهي واحدة من الأزمات الكبرى في عالم اليوم، وقد حددها حزبنا منذ أيامها الأولى بأنها أزمة مركبة معقدة تتداخل فيها عوامل داخلية اجتماعية واقتصادية، وتتفاعل مع عناصر خارجية إقليمية ودولية، وقد تتقدم في مرحلة من مراحل تطورها، عناصر وعوامل، على حساب غيرها من العناصر والعوامل، والعكس صحيح.

لقد بدأ حراك اجتماعي وسياسي ومطلبي في محافظة درعا، في شهر آذار من عام 2011 وكان يحمل طابعاً سلمياً في بدايته، إلا أن سوء إدارة التعامل مع هذا الحراك من جانب أجهزة السلطة الأمنية والإدارية، قد هيأ التربة اللازمة والأرضية المناسبة لاستغلال التظاهرات والنحو بها منحى آخر، وهي الفرصة التي كانت تنتظرها بتلهف شديد قوى داخلية متشددة ثبت أنها كانت قوى منظمة، وقوى خارجية كانت معدة مسبقاً لفرصة ثمينة مثل هذه الفرصة، ولم تكن وليدة الساعة.

وهكذا تكاملت عوامل انفجار الموقف، مطالب شعبية محقة، وحركة عفوية لجمهور واسع من الناس، وفساد مستشر، مع تعامل أمني سيئ من الأجهزة، ترافق ذلك مع تحضيرات واستعدادات خارجية ماكان يمكن أن تتطور الأمور على هذا النحو من دونها.

وسارت الأمور بالتسلسل الذي تعرفونه، وبدأت كرة الثلج تكبر وتتدحرج على نحو متسارع، فظهرت الأسلحة المخفية، وبدأت الشعارات الاستفزازية تتصاعد بشكل منظم (إسقاط النظام – إعدام الرئيس- الهجوم على حزب الله وإيران).. إلخ، وبشعارات أخرى لا يربطها رابط بالمصالح الشعبية ومطالب الحراك، مما ولّد ردود أفعال مضادة، بينما أخذت لغة الرصاص تتصاعد تدريجياً لتصبح اللغة السائدة.

لقد راجت مفاهيم الثورة في وصف ماحدث ويحدث. ونحن نرى أن الثورة ليست مجرد نزول عدد كبير من الناس إلى الشوارع يهتفون ويطالبون وأحياناً يطلقون الرصاص، بل الثورة هي عمل جماهيري وسياسي ذو برنامج لتغيير المجتمع ونقله إلى مجتمع أفضل من جميع النواحي. وهي ليست فعلاً فوضوياً، بل فعل واع تقوم به طلائع ثورية واضحة الأهداف والبرامج، ومهمتها، أو مهمة أي حزب ثوري، هو أن يقود التحرك لا أن يُقاد منه نحو المجهول.

وفي جميع الأحوال، فقد وضحت الأمور تدريجياً، إذ أطل العامل الخارجي برأسه بشكل مفضوح، وأصبح الحديث يدور عن إيجاد (بنغازي) أخرى في سورية.

 

العسكرة والتطرف

وامتد القتال تدريجياً إلى جميع أرجاء سورية بين الجيش العربي السوري ومجموعة من الذين فروا من الجيش ومن الذين اسُتغلت أوضاعهم المعاشية الصعبة، وشكلوا ما أسمي بالجيش الحر. وبدأت عملية الانتقال إلى طور آخر من أطوار الصراع، بظهور أولى المجموعات الدينية الشديدة التطرف، المزودة بأحدث الأسلحة، والتي تُغذّى بأموال لا تأكلها النيران. وبدأت أعداد المقاتلين تزداد بفعل عنصرين هامين: أولهما تدفق المرتزقة (الجهاديين) من جميع أنحاء العالم، وتحويلهم سورية إلى ساحة الجهاد الأولى في العالم. ثانيهما لجوء المجموعات إلى تجنيد الشباب في صفوفهم في المناطق التي يسيطرون عليها قسراً، واللجوء إلى أساليب الضغط والإغراء بالمال وتهديدهم بإيذاء أهاليهم. ثم إن عملية التسليح والتجنيد الواسعة هذه قد خلقت أوهاماً لدى قطاع من الشباب الذين زرعوا في رؤوسهم أن النظام ساقط لا محالة خلال أشهر أو أسابيع أو حتى أيام، دون أن ننسى عوامل أساسية أخرى وعلى رأسها الشحن المذهبي البغيض، الذي تأسست جذوره عبر عقود من الزمن  من خلال تشجيع السلطة للتيار الديني على أوسع نطاق، والذي كان الشباب هو مادته الرئيسية، والدور الرهيب الذي قامت به بعض محطات التلفزة العربية والأجنبية في تضليل وعي الناس. أضف إلى ذلك تفشّي البطالة بين الشباب، وتهميش قطاعات واسعة من الناس، ونشوء العشوائيات، وتخبط السلطة في إيجاد حلول لها، ومشكلة الاستملاكات الجائرة، وانتشار الفساد على نطاق واسع في مفاصل الأجهزة.

 

فتش عن الاقتصاد.. والفساد.. والتفرّد

وبشكل عام فإن النهج الليبرالي في الاقتصاد الذي ساد في العقد الأول من القرن الحالي قد أسهم إسهاماً كبيراً في تشكيل الأزمة، إذ لم يؤدّ اتباعه إلى توظيف استثمارات حكومية في المجالات  الإنتاجية التي تستوعب البطالة أو توسع أو تقوي البنية الإنتاجية للدولة، وخاصة في الزراعة والصناعة اللتين تراجعت حصتهما في تكوين الناتج المحلي الإجمالي. فكان التركيز منصباً على القطاعات الريعية من الاقتصاد، كالمصارف والتأمين والسياحة والشركات القابضة. وبرزت أكثر فأكثر مجموعة من الفاسدين الذين أحاطوا بالنظام، مستغلين إياه أقصى استغلال، ساعين إلى ربطه ربطاً محكماً بالاقتصاد الرأسمالي العالمي.

إننا نحمّل النظام مسؤولية الفساد الذي سمح له بالاستشراء وجعله بهذه القوة، الأمر الذي يجعل من الإصلاح الاجتماعي لصالح العمال والفلاحين والطبقات المتوسطة مطلباً أساسياً يجب أن نناضل من أجله.

وفي معرض العوامل الداخلية في تشكّل الأزمة، أشرنا منذ بداية الأزمة إلى الصيغة السياسية التي تحكم البلاد منذ 50 عاماً، والتي لم تعد تلبي حاجة المواطن إلى الحرية، ولا تستجيب لمتطلبات عملية التنمية وإدارة الاقتصاد الوطني، إذ أخذ تمركز السلطة بيد حزب واحد يُضعف الدور الفاعل للمؤسسات التشريعية والتنفيذية والقضائية، الأمر الذي أضعف حكم القانون وشجع على الفساد والمحسوبية وتغييب الرقابة الشعبية، وعدم اعتماد مبادئ الكفاءة والنزاهة في اختيار الكوادر القيادية في الدولة.

 

أيها الرفاق!

لقد كان حزبنا سباقاً إلى تحليل الأزمة وإجلاء عواملها المتشابكة والمركبة. وبرز ذلك في جميع الوثائق الصادرة عنه، سواء بالرسائل السياسية الداخلية التي جرينا على نشرها في (النور)، أو من خلال الدراسات والتحقيقات والمذكرات وكلمات مندوبيه وممثليه في المنظمات الشعبية المختلفة والهيئة التشريعية ومجلس الوزراء والجبهة. وكانت تتصف بالموضوعية دون مزايدات أو إغفال لأهمية أي عنصر من العناصر، وتقدمنا بالكثير من الملاحظات والآراء التي أُخذ ببعضها ولم يؤخذ بالباقي.

ولكن كان هناك ملاحظات صحيحة، مفادها أن هذه المواقف المبدئية تحتاج إلى أمرين اثنين. أولهما: هو إبرازها على مستوى الإعلام. وثانيهما: هو كيفية تحويلها إلى فعل ملموس على الأرض. أما من حيث الإعلام فنقول لكم أيها الرفاق إن الموضوع ليس رهن إرادتنا على الإطلاق، فهو أحد نواقص النظام وأخطائه، فهو لم يفتح الإعلام للآراء المختلفة، كما أن الحزب لايملك إمكان تحويل برامجه وآرائه إلى فعل ملموس إلا إذا ازدادت قوته ووسع من دائرة تحالفاته. ومع ذلك فلابد من الاعتراف بأننا قصّرنا في الاستفادة من الإمكانات المتاحة لنا، ويجب علينا البحث دوماً عن أساليب جديدة في العمل الحزبي والجماهيري تفعل وتنشّط هيئات الحزب وأعضائه.

 

موقف الحزب.. ودوره

أيها الرفاق!

منذ بداية الأحداث في آذار ،2011 تبلور موقف الحزب وتركزت شعاراته الأساسية بالنقاط التالية:

1- وقف العنف والعنف المضاد:

إن هدر الدم السوري هو أكبر خسارة خسرتها سورية، وهو لايخدم إلا أعداءها، خاصة أن القوى الاستعمارية الكبرى وأتباعها في المنطقة لهم مخطط واضح بتفتيتها إلى دويلات طائفية وعرقية، تكون فيها إسرائيل هي السيدة عليها. إن تدفق السلاح والمسلحين إلى سورية بهذه الغزارة، وتشكيل المجموعات المسلحة التكفيرية بهذه الكثرة، هو أحد نتاجات الفكر الإقصائي والدموي الذي تؤمن به، والذي أدى إلى استشهاد الألوف من المدنيين والعسكريين. وبالمقابل فإن رد الفعل الذي أبدته الأجهزة الأمنية قد كان مفرطاً في الكثير من الحالات، إذ تسبب القصف العشوائي والتجاوزات الأمنية في أضرار بشرية وإنسانية وعمرانية أثارت استياءً بين الناس، إضافة إلى القيام باعتقالات واسعة لا مبرر أمنياً للكثير منها، وقد طالبنا بوقفها في جميع المناسبات والمنابر التي أتيحت للحزب وكوادره.

2- الحل السياسي:

احتل هذا الموضوع حيزاً كبيراً في جميع المنابر والمجالات المتاحة لنا، وأصبح شعاراً لجميع القوى السياسية الوطنية. وقد أوضحنا أن هذا الخيار يجب أن يستند إلى تحقيق المطالب الشعبية المحقة في تقرير مصير سورية بذاتها وعلى يد أبنائها على اختلاف انتماءاتهم. على أن الحل السياسي، لا ينفي حق الدولة السورية في الدفاع عن نفسها ضد هجمات المجموعات الإرهابية المسلحة غير الشرعية أصلاً، في ظل أحقية أي دولة بالدفاع عن أراضيها. وهو حق كفلته الشرعية الدولية والمواثيق العالمية، خاصة أن الحل الأمني أو العسكري يؤدي إلى حل أمني وعسكري بالمقابل.

إن الحل السلمي المنشود يفترض أن يكون حلاً متكاملاً، أي داخلياً وخارجياً في الوقت نفسه، ويشمل بل ويشترط السير الجدي في عمليات الإصلاح السياسي الديمقراطي الداخلي.

3- الحوار الوطني:

لقد كان حزبنا أول من دعا إلى قيام حوار وطني لبحث الأزمة، وذلك في الاجتماعات السابقة للجبهة الوطنية التقدمية، التي اشترك ممثل لحزبنا فيها باعتباره صاحب المبادرة. ولعب الحزب دوراً متميزاً في إنجاز وثيقة حوارية متقدمة، دعت إلى الحل السياسي، وإلى إقرار مبدأ التعددية والديمقراطية والحريات العامة، وإلغاء المادة الثامنة من الدستور القديم. صحيح أن قسماً من هذه الوثيقة لم يطبق في حينه، بل وجرت حوله خلافات كبيرة وتهجّم عليها قسم من المتشددين في النظام، إلا أنها تركت بصماتها على المناخ السياسي العام الذي قاد في النهاية إلى إلغاء المادة الثامنة، وإقرار التعددية الديمقراطية في الدستور الجديد، وفي جملة القوانين الإصلاحية التي وضعت تحت تأثير تسارع الأحداث. على الرغم من أن بعضها لم يطبق على أرض الواقع.

 وهنا نود القول إننا لم نعتقد يوماً أن القوانين والمراسيم الإصلاحية التي صدرت ستطبق في اليوم التالي، ذلك أنها صدرت في ضوء الأحداث في البلاد، وهناك قوى في السلطة لم تعتد على تقبل الرأي الآخر بعد، ولم تهضم فكرة التعددية الحزبية وحق الأحزاب بالوجود.

إن ذلك يحتاج إلى نضال وشرح وإقناع وحوار، وستلعب الظروف السياسية والمساعي الدولية للحل السياسي دوراً في تسريع هذه العملية.

 

الأزمة في بعدها الخارجي

بالحدة نفسها التي دارت وتدور فيها الأحداث والمعارك العسكرية والسياسة في الداخل السوري، كان الشيء ذاته يدور في الخارج. ففي منطقة شديدة الحساسية كمنطقة الشرق الأوسط الغنية جداً بالنفط والغاز الذي يتأثر به الاقتصاد العالمي أيما تأثير، يستحيل أن تبقى التطورات الداخلية لأي بلد من بلدانها أسيرة العوامل والعناصر الداخلية فقط. ولو عدنا قليلاً إلى الوراء، وبالتحديد إلى أواسط القرن الماضي أي في الخمسينيات والستينيات لوجدنا أن سورية كانت مركزاً للصراعات الإقليمية والدولية. قد يتذكر الكثير من الحاضرين الحشود التركية ضد سورية، والأحلاف العسكرية التي كانت تنشأ ضدها، والتي كان الاتحاد السوفييتي السابق يساندنا بقوة لمواجهتها ومواجهة الأحلاف الاستعمارية، مثل حلف بغداد والحلف المركزي ومبدأ أيزنهاور، وغيره من الأمثلة، بالنظر لموقعها الجيوسياسي ودورها المحوري والمؤثر على المحيط العربي والإقليمي. الأمر الذي يدل على أهمية سورية وتكالب الاستعمار عليها منذ الاستقلال حتى الآن.

لقد شكلت سورية منذ رفضها القاطع لاتفاقية كامب ديفيد والصلح المصري الإسرائيلي المنفرد عام ،1979 سداً منيعاً في مواجهة تفشي آثار هذا الصلح، فكان أن تشكل حلف رجعي بمواجهة سورية، حلف تزعمته السعودية ومصر السادات وصدّام حسين العراق والملك حسين الأردن والانعزاليون اللبنانيون والإخوان المسلمون السوريون، بدعم تركي أمريكي أوربي، بسبب السياسة الوطنية السورية، التي أدى رفضها للحلول التصفوية للقضية الفلسطينية وتمسكها بحقها الطبيعي في الجولان المحتل، إلى تشكيل حلف المقاومة الذي ألحق بالمعتدين الإسرائيليين شر هزيمة في تموز عام 2006. ومنذ ذلك اليوم تجدد واشتد التآمر على سورية والمقاومة التي أسقطت مقولة أن إسرائيل دولة لا تهزم.

وكان من الطبيعي أن يلجأ المستعمرون الغربيون إلى أساليب سياسية ماكرة لأخذ سورية من الداخل، بواسطة التوجه النيوليبرالي الذي بدأ بالتفشي، وبمحاولة جرها إلى عجلة السياسات الغربية عن طريق الاقتصاد.

وكانت الأحداث التي عاشتها سورية منذ آذار 2011 فرصة ثمينة للغرب وتركيا وبعض دول الخليج لتصفية حساباتهم معها. فنشأ محور قوامه: الولايات المتحدة – دول الاتحاد الأوربي – تركيا – قطر – السعودية، لإسقاط السياسات الوطنية للنظام في سورية. وتجندت كل الإمكانات المالية الخليجية وأجهزة إعلامها، بالترافق مع حشد قوى مستاءة من الداخل، سواء كان ذلك استياء مشروعاً أم تحت عباءة الانقسامات المذهبية المقيتة. كما أُعلنت سورية ساحة للجهاد التكفيري، فتدفق إليها الألوف ممن يُلقَّبون بالجهاديين من مختلف أنحاء العالم.

 

الفيتو المزدوج.. تحوّل نوعي

لقد راهنوا على سقوط الدولة السورية بسرعة، لكن رهانهم خسر، وصمدت الدولة، إلى أن حصل انعطاف كبير في الوضع الدولي، تمثل في وقوف روسيا والصين وقفة حازمة ضد محاولات التدخل العسكري الذي أخذت دول الحلف الاستعماري الرجعي تلوِّح به. واستعملت هاتان الدولتان حق النقض أكثر من مرة للحيلولة دون استعمال مجلس الأمن ستاراً للتدخل، كما حدث في ليبيا وقبله في العراق. وهكذا نشأت توازنات جديدة في المنطقة، فتشكل محور جديد قوامه روسيا والصين وإيران وسورية والمقاومة في لبنان، يحظى بتعاطف من دول وطنية ناشئة مثل فنزويلا – والبرازيل – والهند وجنوب إفريقيا وغيرها. وذلك بمواجهة الحلف الاستعماري الرجعي المشار إليه آنفاً.

وتكمن قيمة هذا التحالف الجديد لا بأنه محور كبير يضم أكثر من نصف سكان العالم مؤيد لسورية فقط، بل بأنه يمثل نهاية حقبة من السيادة الأمريكية المطلقة على العالم، وتباشير قيام عالم جديد متعدد الأقطاب.

لقد خاضت الدبلوماسية الروسية طوال العام الماضي غمار مواجهات حادة مع الدبلوماسية الغربية، وبرزت معطيات جديدة على الساحة الدولية جعلت الحلف الغربي يتراجع عن التهديد بالتدخل العسكري السافر ضد سورية وينادي بالحل السياسي، وذلك تحت وطأة عوامل عدة أهمها صمود سورية، شعباً وجيشاً ودولة، وجدية الموقف الروسي بشكل خاص، الذي عبرت عنه المناورات والتحركات العسكرية لأساطيلها، والقلق على المصالح الغربية في المنطقة وعلى إسرائيل بالذات.

إلا أن مواقف الغرب هذه، وبالذات الموقف الأمريكي، لا يمكن أن يفهم منه التراجع عن مجمل مواقفه تجاه سورية. فالاعتراف بالنقاط الست التي تشكل أساس وثيقة جنيف في 30 حزيران الماضي، ما زال غامضاً بخصوص بند المرحلة الانتقالية، كما أن هذا الموقف لا يبدي استعداداً حتى الآن لردع تركيا والإيعاز لها بإيقاف إرسال المرتزقة للقتال على الساحة السورية. كما أنه يبدي تذبذباً واضحاً بين الاعتراف وعدم الاعتراف بما يسمى (ائتلاف المعارضة السورية)، وبين وضع حد فعلي لدور (جبهة النصرة)، أم الاكتفاء بتصريحات شفهية ضدها. أما مواقف دول أوربا الغربية فقد أخذت بالتمايل يمنة ويسرة بحسب مسار المفاوضات الأمريكية-الروسية الجارية على أكثر من صعيد، والتي يتوقع أن تنكشف نتائجها في وقت قريب جداً.

 

في مجال التحالفات:

إن المرحلة التي نجتازها الآن هي مرحلة انتقالية صعبة ودقيقة جداً، وعلى نتائج الصراع مع المجموعات المسلحة يتوقف الكثير. لكن في المجال السياسي الداخلي هناك تغيُّرات في لوحة القوى نرصد أهمها:

 

1- الجبهة الوطنية التقدمية:

لقد توقفت الاجتماعات النظامية للجبهة منذ صدور الدستور الجديد وإلغاء المادة الثامنة من الدستور القديم، ولم يُتخذ أي قرار حول مستقبل هذه الجبهة. لكنها استمرت بعقد لقاءات واجتماعات غير رسمية، على طريقة لقاء أحزاب الجبهة الذي عقد في تشرين الأول الماضي، للدلالة على وجود رغبة في إيجاد صيغة جديدة لها قد تحمل طابع تشكيل تحالف بين القوى الموجودة فيها تختلف صيغته عن الصيغة الحالية لها. ومن المتداول في أوساطها، إصدار ميثاق جديد يعكس التطورات الجديدة الحاصلة في البلاد. كما تدور آراء حول إمكان ضم الأحزاب الجديدة إليها. ونعتقد أنه من الضروري أن نهيئ أفكاراً تكون أساساً في تحديد موقفنا من التحالفات وصيغها وأشكالها المختلفة.

2- الأحزاب الجديدة:

تجاوز عدد المرخص وغير المرخص منها عشرين حزباً. وقد قررنا في المكتب السياسي التعرف عليها والتواصل مع هذه الأحزاب لاستكشاف إمكان التعاون معها على ضوء واقعها وطبيعة تكوينها. وقد عقدت لقاءات منظمة مع بعضها، ونواصل التعرف إلى المزيد منها، واستكشاف آفاق التعاون.

 

3- القوى الوطنية المعارضة:

ومنها هيئة التنسيق التي عقدنا معها عدة لقاءات، وأبقينا باب النقاشات والحوار معها مفتوحاً حول النقاط الخلافية، كما أجرينا لقاءً مع تيار بناء الدولة، وبرز في النقاش معه العديد من نقاط الاتفاق والخلاف، وسيستمر الاتصال. ومن هذه القوى أيضاً بعض أطراف حزب العمل الشيوعي الذي انشق عن هيئة التنسيق، ولم تنتظم العلاقات معهم كما يجب. أما حزب الإرادة الشعبية فقد أجرينا عدة لقاءات مع قادته تناولت فيها سبل التعاون في المجالات السياسية وإدارات الدولة. والاتفاق قائم على استمرار هذا التعاون. أما بشأن الحزب الشيوعي السوري (بكداش)، فإننا نواصل تقديم المبادرات لتحسين العلاقة معه دون حصول أي تقدم يذكر حتى الآن. فضلاً عن اللقاءات مع العديد من الشخصيات الوطنية الأخرى في البلاد.

إلا أن السوريين، بمجموعهم تقريباً يعيشون حياة تعج بالأزمات الإنسانية، فمن أزمة الخبز التي انحسرت تدريجياً في الوقت الحاضر، إلى أزمات المازوت والغاز والكهرباء، التي تعكر صفو حياتهم، وهم يدفعون غالياً ثمن الحصار الاقتصادي الجائر المفروض عليهم من أساطين المال ومدَّعي الحضارة والتقدم، كما يدفعون ثمن سوء الإدارة والفساد، ونشاط تجار الحروب والأزمات.

وتتلخص أسباب أزمات هذه المواد الثلاث الأساسية، بقصف محطات توليد الكهرباء، والمحولات، ونسف الأبراج، والسطو على صهاريج المازوت والسيطرة على بعض آبار النفط، ونسف خطوط نقل النفط ومشتقاته، وقطع الطرقات الرئيسية بين المدن، ومحاصرة الكثير من القرى والأرياف وقطع المؤن عنه. وتتحمل المجموعات الإرهابية المسلحة المسؤولية الأساسية عنها، عدا الاغتيالات وانتشار عصابات سطو الأموال وتقاضي الفدية وغيرها، ناهيك بتشكيل ما يسمى بالإمارات الإسلامية في عدد من المناطق. وتمادت الأعمال الإرهابية فوصلت إلى سرقة مئات المعامل التي فُككت ونُقلت إلى تركيا. كما سرق القمح من الصوامع، واعتُدي على مشاريع الري والثروة الحيوانية. وبرزت أزمة المهجرين التي أصبحت كارثة إنسانية، لأنها تشمل نحو ثلاثة ملايين إنسان، يصعب إيجاد أمكنة لاستيعابهم فيها، فضلاً عن تأمين الغذاء الضروري لهم. وتشكل هذه الأزمة تحدياً كبيراً لأجهزة السلطة والدولة والأحزاب السياسية والمجتمع الأهلي على حد سواء، إذ يجب أن تنكبَّ كل هذه الجهات بالتعاون مع الجهات الإنسانية الدولية على معالجتها بأقصر فترة ممكنة.

 

الحل السياسي يشق طريقه

 

رفاقنا الأعزاء!

مثلما كانت الأزمة مركبة، فإن مواجهتها والتصدي لها هو عملية مركبة أيضاً، فهي سياسية ودبلوماسية واقتصادية واجتماعية وعسكرية كلها في وقت واحد.

وفي هذه المرحلة بالضبط ترتفع أسهم المساعي السياسية والدبلوماسية الدولية لإيجاد حل اتفق دولياً على ما يبدو أن يكون حلاً سياسياً سلمياً وليس عسكرياً.

وهذا التطور هو انعكاس لميلان ميزان القوى الدولية في الاتجاه الذي لم يكن يتوقعه الحلف الغربي وأتباعه. إلا أن الخلاف حول تفسير بعض بنود وثيقة جنيف وهي أساس الحل، لا يزال قائماً. كما أن تسلل المرتزقة والقوى الأجنبية والعربية الإرهابية لا يزال مستمراً. والاتفاق على تفاصيل المرحلة الانتقالية لم يكتمل بعد، كما لا يمكن الجزم بأن الحلف الغربي وأتباعه قد تخلَّوْا كلياً ونهائياً عن خيار التدخل العسكري المباشر، بحكم خبرة الشعوب الطويلة مع السياسة الأمريكية في يوغسلافيا والعراق وليبيا، مما يجعل التنبؤ بالمستقبل أمراً صعباً والاحتمالات مفتوحة على مختلف الاتجاهات.

لقد كثرت المبادرات الدولية وأوراق التفاوض، وظهرت الحاجة إلى تحديد موقف سوري من المبادرات المتداولة، فكانت المبادرة التي أعلنها الرئيس بشار الأسد مؤخراً، وهي تبدأ بالالتزام بوقف تزويد المجموعات المسلحة بالسلاح من الخارج، وتنتهي بإقرار المصالحة الوطنية والعفو الشامل، مروراً بمؤتمر للحوار الوطني العام، وإصدار ميثاق وطني يتضمن الملامح الأساسية للنظام الدستوري والتشريعي وتعديل بعض القوانين الأساسية، كقانون الأحزاب والانتخابات وغيرها، وإجراء استفتاء شعبي وتشكيل حكومة موسعة وإلى غيرها من الأمور.

إننا ننظر إلى هذه المبادرة نظرة إيجابية على العموم، وهي تتضمن الكثير مما نطالب به، ولكنها تحتاج إلى إضافات وتوضيحات في بعض بنودها. وهي مبادرة مفتوحة على كل الاحتمالات فيما يتعلق بشكل النظام السياسي ومحتواه، وستكون موضع دراسة من المكتب السياسي، بالتعاون مع من يمكن أن يساهم في هذه الدراسة، من مختصين في الحزب وخارجه.

 

حماية الوطن.. مصالح الجماهير.. حرية المواطن

أيها الرفاق الأعزاء!

إننا نعيش في ظروف قاسية سياسياً وإنسانياً، والشعب السوري يئن من جراحاته ونكباته، والدم السوري الزكي يسيل بلا حساب، ولكن سورية الغد ستكون غير سورية الأمس، فلا يمكن بقاء النظام كما هو عليه الآن. لقد انقسم المجتمع انقساماً عمودياً، وعادت العصبيات القبلية والعشائرية، وتولدت الأحقاد. وفي الوقت نفسه يتعرض وطننا الغالي إلى خطر العدوان والتدمير على يد الإرهابيين والمستعمرين على حد سواء.

إننا عندما نؤكد دوماً على الحل السياسي فإن هدفنا الأساسي هو الدفاع عن الوطن الذي نحب ومصلحة الشعب الذي ننتمي إليه. وندعو كل الوطنيين الشرفاء في المعارضة وخارجها إلى تحكيم العقل والانطلاق مما يوحد الصف الوطني ويؤدي إلى حماية سورية وصون استقلالها ووحدتها وسيادتها الوطنية، وإعادة بنائها على أسس ديمقراطية وطنية وتقدمية.

ونتوجه خصوصاً إلى قوى اليسار الاشتراكي بالمبادرة إلى إقامة أوسع تعاون فيما بين فصائله ومؤيديه أيا كانت مواقعهم التنظيمية. إن قوة اليسار هي ضمانة لقوة التجمع الوطني الكبير الذي يجب أن ينشأ دفاعاً عن سورية الدولة والوطن، ضد الإرهاب وضد المؤامرات الإمبريالية والصهيونية.

 

المهام المترتبة على الحزب بجميع هيئاته

1- الدفاع عن الوطن ضد أي عدوان خارجي.

2- العمل على مكافحة الإرهاب، والدفاع عن الممتلكات العامة والخاصة، ضد عصابات السطو والخطف والحيلولة دون انحدار البلاد نحو الفوضى.

3- الدفاع عن السيادة الوطنية للدولة ووحدة أراضيها.

4- وقف العنف بجميع أشكاله وصوره، وتوفير الأمن لحماية أرواح المواطنين.

5- مساهمة الحزب في الأنشطة الاجتماعية والإنسانية كافةً، وعلى رأسها أزمة المهجرين، وفقدان المواد الأساسية وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، والتخفيف من معاناة الشعب من الأزمات الخانقة التي يعانيها.

6- الدفاع عن الحقوق الثقافية للأقليات القومية لتقوية اللحمة الوطنية والنسيج الاجتماعي للدولة في إطار الوحدة، وعلى أساس مبدأ المواطنة دون أي تمييز بين مواطن وآخر على أساس الدين والقومية أو الجنس.

7- المشاركة في الحوار الوطني الذي يسهم في تحقيق طموح الشعب السوري في:

أ- الانتقال السلمي إلى مجتمع ديمقراطي ودولة مدنية وتقدمية.

ب- إطلاق الحريات العامة ووقف جميع أشكال التوقيف الكيفي.

ج- إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، معتقلي الرأي والفكر.

8- تغيير النهج الاقتصادي الاجتماعي الليبرالي باتجاه اقتصاد وطني يكون للدولة فيه دور رعائي وتنموي وقيادي منتج في صالح العمال والفلاحين وسائر الكادحين في المجتمع.

9- اتخاذ تدابير عملية جدية لمكافحة الفساد والرشوة ووضع حد لهما.

10- دعم وحماية الصناعة الوطنية والزراعة وإزالة العقبات أمام  الفلاحين والصناعيين الوطنيين.

11- فضح الفكر التكفيري الذي يغذي النشاط الإرهابي للمجموعات المسلحة، ونشر الوعي والفكر التنويري على نطاق واسع.

12- تسريع الجهود نحو مصالحة وطنية عامة تشمل مكونات الشعب السوري كافة.

إن نضال حزبنا لتحقيق هذه المهمات يتطلب من جميع أعضاء الحزب وهيئاته، العمل بأساليب وآليات جديدة للتغلب على الصعوبات التي يواجهها، وتفعيل دوره في الحياة السياسية والاجتماعية وتعزيز وحدته، إن هذه المهمات يصعب تنفيذها دون دور فاعل للشباب الذين هم ربيع الحياة، والمستقبل الواعد لوطننا وشعبنا وحزبنا، وعلينا أن نبرهن على ذلك بأفعال ملموسة تضخ الحيوية والنشاط في شرايين الحزب.

العدد 1104 - 24/4/2024