في الذكرى العشرين لاغتيال القائد الشيوعي كريس هاني

في 10 نيسان 1993 قتل عنصريون في جنوب إفريقيا كريس هاني الأمين العام للحزب الشيوعي في جنوب إفريقيا وقائد (رمح الشعب) الجناح العسكري للمؤتمر الوطني الإفريقي. خرج هاني لممارسة الجري الصباحي، وفي طريق العودة إلى المنزل اقترب منه المهاجر البولوني يانوش فالوس قائلاً إنه يريد أن يطرح عليه سؤالاً. وبعد لحظات أرداه قتيلاً أمام باب بيته الأمامي.

شعر شعب جنوب إفريقيا بالصدمة، وتملكه الغضب بسبب هذه المحاولة لنسف عملية المفاوضات بين المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب القومي الحاكم، الذي كان حينئذ برئاسة إف دبليو دي كليرك. تبين فيما بعد أن كليف ديربي  لويس، عضو البرلمان عن الحزب المحافظ في عهد حكومة الفصل العنصري، زود القاتل بالسلاح. وكان الهدف من الاغتيال إشعال حرب عرقية، ثم الحيلولة دون إجراء انتخابات غير عرقية تسمح بوصول المؤتمر الوطني الإفريقي إلى السلطة. ولكنها جرت بعد عام.

اعتقل كل من فالوس وكليف  ديربي وحوكما في عهد حكومة الحزب القومي وحكم عليهما بالإعدام، الذي استبدل فيما بعد بالسجن المؤبد، عندما تبنَّت الحكومة التي يسيطر عليها المؤتمر الوطني الإفريقي في عام 1995 دستوراً يلغي عقوبة الإعدام.

في الذكرى العشرين لاغتيال هاني في هذا العام جرى إحياء ذكراه في حديقة توماس تيتوس نكومبي في إلسبارك شرقي جوهانسبورغ، حيث دفن. شاركت في الفعالية أرملته ليمغو هاني إلى جانب رئيس جنوب إفريقيا وزعيم المؤتمر الوطني الإفريقي جاكوب زوما والأمين العام الحالي للحزب الشيوعي في جنوب إفريقيا بلاده نزيمانده وزفيليبنزيما فافي، الأمين العام لمؤتمر نقابات جنوب إفريقيا (كوساتو).

 

حياة وأزمنة المناضل من أجل الحرية

ولد كريس هاني في 28 حزيران 1942. وذكر في سيرة ذاتية موجزة كتبها في عام ،1991 بعد عودته إلى جنوب إفريقيا، لمتابعة العملية الانتقالية: (ولدت في بلدة زراعية صغيرة في ترانسكي تسمى كوفيمسفابا.. أنا الطفل الخامس بين ستة. ثلاثة منهم فقط ظلوا على قيد الحياة، أما الثلاثة الآخرون فقد ماتوا في طفولتهم. كانت والدتي أمية تماماً، ووالدي شبه أمي. كان والدي عاملاً مهاجراً في مناجم في ترانسفال، ولكنه أصبح فيما بعد عاملاً غير بارع في صناعة البناء).

إن جذور هاني الطبقية العمالية في نظام الفصل الاستيطاني الاستعماري وفرت له إطاراً سياسياً ليصبح ناشطاً في النضال من أجل التحرر الوطني والاشتراكية. أشار إلى أن (الحياة كانت مؤلمة جداً بالنسبة لنا، وكانت هناك بعض الأوقات القاسية عندما كان على والدتي أن تكمل ميزانية الأسرة بالعمل في الزراعة، وكان عليها تربيتنا بمساعدة قليلة جداً من والدي الذي كان بعيداً دائماً يعمل من أجل الرأسماليين البيض).

انضم هاني إلى المؤتمر الوطني الإفريقي في سن الخامسة عشرة. وفي عام 1959 انتسب إلى جامعة فورت هار لدراسة اللاتينية والإنكليزية. وهنا تعرف على الأفكار الماركسية وانضم إلى الحزب الشيوعي في جنوب إفريقيا، السري، عن طريق غوفان مبيكي، والد الرئيس السابق لجنوب إفريقيا. وقال فيما بعد إن الماركسية ساعدته على فهم أن الظلم ليس على خلفية عرقية فقط، بل كذلك طبقية.

تخرج في الجامعة عام ،1962 وفي العام نفسه أصبح مقاتلاً في (رمح الشعب). وبعد أشهر قليلة من وصوله إلى كيب تاون أوقفه حاجز على الطريق، وعثر لديه على منشورات تهاجم الحكومة. وبعد فترة في الاحتجاز وجهت إليه تهمة بموجب قانون مكافحة الشيوعية وأفرج عنه بكفالة. وبعد الخروج سراً من البلد لحضور المؤتمر الوطني للمؤتمر الوطني الإفريقي في بوتسوانا، اعتقل عند مخفر الحدود وهو يحاول العودة وحكم عليه بالسجن 18 شهراً، ولكنه أفرج عنه بكفالة ثانية بانتظار الاستئناف.

وفي مطلع عام 1963 طلب منه المؤتمر الوطني الإفريقي عدم الذهاب إلى السجن. فاختبأ لمدة أربعة أشهر، وزاره حينذاك غوفان مبيكي حاملاً رسالة: (نريدك أن تغادر البلد للخضوع لتدريب عسكري). وانقضى 27 عاماً قبل أن يتمكن هاني من العودة علناً إلى جنوب إفريقيا، ذهب عبر تنزانيا إلى الاتحاد السوفييتي وتلقى تدريباً عسكرياً. وفي العام التالي عاد إلى تنزانيا مع العشرات من الجنود الشباب الآخرين من (رمح الشعب). ومارس المزيد من التدريب، ولكن لم يكن من السهل إعادة إرسالهم إلى جنوب إفريقيا لأن الدولة العنصرية كانت لا تزال محاطة بحاجز من دول يحكمها البيض. خاضت وحدة هاني بالاشتراك مع حركة التحرير في روديسيا  زيمبابوي حالياً  في عام 1967 معارك مع قوات الدولة العنصرية الأخرى آنذاك، وكان الهدف إقامة قواعد في روديسيا وتسلل الأنصار إلى جنوب إفريقيا نفسها. وتمكن من الهرب بعد فشل العملية، وانتقل في عام 1968 إلى بوتسوانا.

وفي أواخر الستينيات أصبح هاني رمز إرادة المقاومة، وبدأ يتكون الأساس لأسطورة هاني.

وبعد فترة قصيرة في سجن بوتسوانا، طُرد هاني إلى لوساكا. وظل يتوجه بضرورة الانتشار إلى جنوب إفريقيا وإقامة قواعد خلفية فعالة. وفي عام 1974 تقرر إرسال هاني إلى ليسوتو لإقامة قاعدة للمؤتمر الوطني الإفريقي. وسافر سراً إلى بوتسوانا واجتاز الحدود سراً إلى جنوب إفريقيا. وبعد ذلك سار طوال الطريق إلى ليسوتو وأقام قاعدة هناك، وقام بأربع رحلات سرية إلى جنوب إفريقيا في عام ،1975 وبقي في ليسوتو حتى عام 1982.

في عام 1980 جرت محاولة اغتيال هاني في ليسوتو، وتكررت المحاولة في عام ،1981 وفي عام 1982 قرر المؤتمر الوطني الإفريقي سحب هاني إلى لوساكا، وعُيّن مفوضاً للجيش، أي المنصب الثالث في (رمح الشعب) وتجول بلا كلل في معسكرات (رمح الشعب) في أنغولا.

عندما كان هاني في ليسوتو (كانوا يشكلون في الواقع عدداً من الوحدات في ليسوتو ونقلها إلى جنوب إفريقيا.. بنينا شبكة من الهياكل داخل البلد. دربنا أشخاصاً على حرب الأنصار، وكذلك في السياسة والاستطلاع وكل شيء آخر). (عن كتاب هاني: حياة قصيرة جداً، تأليف سميث وبوروغارد).

برز النضال الجماهيري مجدداً داخل جنوب إفريقيا في 16 حزيران 1976 عندما أضرب آلاف الطلاب احتجاجاً على نظام التعليم العنصري، وانتشرت الحركة بسرعة إلى مراكز الطبقة العاملة في المناجم والصناعة الثقيلة.

انضم العديد من الشباب الذين فروا من جنوب إفريقيا إلى صفوف المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب الشيوعي في جنوب إفريقيا. وفي عام 1983 تأسست الجبهة الديمقراطية الموحدة، وبعد عامين تأسس (كوساتو) بمشاركة مئات آلاف النقابيين منظَّمين في تحالف مع المؤتمر الوطني الإفريقي والحزب الشيوعي في جنوب إفريقيا.

عاد هاني إلى جنوب إفريقيا في آب ،1990 بطلاً بالنسبة للأكثرية الساحقة من الجنوب إفريقيين. وأظهرت عدة استطلاعات للرأي في ذلك الوقت أنه ثاني السياسيين شعبية في جنوب إفريقيا بعد نيلسون مانديلا. وتخلى في كانون الأول 1991 عن منصبه في (رمح الشعب) ليصبح الأمين العام للحزب الشيوعي في جنوب إفريقيا.

العدد 1105 - 01/5/2024