المجلس القانوني العربي الأرمني الأممي لا يموت حق وراءه مطالب

تعرضت الشعوب التي وقعت تحت الاحتلال العثماني لظلم كبير امتد على مدار أربعة قرون، وأسوأ أشكال هذا الظلم كان المجازر الجماعية التي قامت بها قوى تركية لأسباب عدة، طالت هذه المجازر العديد من أبناء هذه المنطقة وشعوبها، من العرب والسريان والكلدان والآشوريين في الشمال السوري.

لكن وطأة هذه المجازر كانت أشد على الشعب الأرمني، إذ كانت هذه المجازر ممنهجة ومنظمة لأهداف عدة، أهمها تهجير هذا الشعب عن أرضه التاريخية التي استولت عليها الدولة العثمانية منذ توافد مؤسسوها إلى المنطقة. فقد أخذت هذه الدولة الأرض من أصحابها التاريخيين وبنت عليها إمبراطوريتها، التي بدأت أطرافها بالانفصال عنها مع بداية حركات التحرر الوطني للبلدان التي احتلتها عنوةً، وبدأ حكامها يفقدون عقولهم، لذلك قرروا طرد السكان الأصليين الذين تعاملوا معهم أصلاً كمواطنين من الدرجة الثانية، وكانت إحدى طرقهم الهمجية للطرد هي الإبادة الجماعية.كان هدف هذه المجازر الأساسي اقتلاع الأرمن من أرضهم التاريخية واغتصابها نهائياً والاستيلاء على جميع الممتلكات الخاصة بهم.

 بدأت هذه المجازر منذ عام 1890 بأمر من السلطان عبد الحميد الثاني، وامتدت إلى المناطق الأرمنية الأخرى واستمرت بين عامَيْ1890و،1897 وقتل فيها نحو 500 ألف أرمني وهُجِّر قسرياً نحو مليون أرمني. ثم جاء دور حكومة الاتحاديين عام 1908فنفذوا في عام 1909 مذابح إقليم كليكيا، وخاصة مدينة أضنة وقراها، فقد دمروا المدينة وهجّروا مليون أرمني وقتلوا نصف مليون أرمني. ثم جاءت مذابح 1915 التي قام بها الاتحاديون الطورانيون أيضاً من يهود الدونمة، إذ بدأت بإعدام مجموعة من أهم النخب الأرمنية من رجال الأدب والفكر والدين، وأصدرت قوانين التهجير القسري بحق الأرمن عن أراضيهم، فطوردوا وذبحوا على الطرقات. وقد بلغ عدد الأرمن الذين قتلوا في مجازر جماعية ابتداء من 1915 إلى 1923 نحو مليون ونصف المليون أرمني تحت أنظار العالم، وبمشاركة بعض الدول الكبرى آنذاك، ليصل عدد الشهداء إلى مليونين و300 ألف شهيد، واقتلاع مليون و700 ألف أرمني من أرض آبائهم وأجدادهم.

وحتى بعد قيام الدولة التركية الحديثة استمر الأتراك في الاستيلاء على الوقف الديني الأرمني وعلى ممتلكات الشعب الأرمني، ويستمر التعدي على حياة الشعب الأرمني حتى يومنا هذا .. فمازالت عمليات الاغتيال السياسي للنخب الأرمنية قائمة حتى اليوم، كاغتيال الكاتب الصحفي هرانت دينك، الذي طالب الحكومة التركية بالاعتذار من الشعب الأرمني عن كل المجازر التي ارتكبها أسلافها وحكوماتها المتعاقبة. كما لاتزال عملية سرقة أملاك الشعب الأرمني ومصادرتها مستمرة حتى اليوم، كما يحدث اليوم في ميدان تقسيم الذي هو في الأصل وقف أرمني يضم مقبرة القديس الأرمني هاكوب، ويحوي رفات أبناء الشعب الأرمني. وكان المجلس القانوني العربي الأرمني الأممي قد أصدر بياناً خاصاً بهذا الشأن، يندد فيه بسياسات حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان، وبسرقته لأملاك وقفية أرمنية.

 

فكرة المجلس

إن صاحبَيْ الفكرة هما السيدان الأستاذ المحامي الدولي حسام الدين الحبش، وهو عربي سوري، ويشغل الآن منصب رئيس المجلس، والأستاذ فاهه ماهشيكيان، وهو أرمني سوري، مهتم بتاريخ الأرمن وبالقضية الأرمنية، ويشغل الآن منصب أمين سر المجلس.بُدئ بالعمل على الفكرة في عام ،2009 وخرجت إلى النور في بدايات ،2013 إذ وقّع الأعضاء في الهيئة التأسيسية للمجلس على المحضر التأسيسي للمجلس القانوني العربي الأرمني بتاريخ 12/2/2013 بحضور ممثلين عن 26 منظمة حقوقية دولية وعربية ناشطة في مجال حقوق الإنسان، ونخبة من المثقفين العالميين من مختلف الجنسيات.

لقي المجلس مباركات المرجعيات الدينية الأرمنية المسيحية والعربية الإسلامية، وترحيباً من ممثلين عن المجتمع المدني في معظم بلدان العالم، وتعاطفاً واسعاً لقضيته العادلة، وذلك لأن هذه القضية ظلمها المجتمع الدولي والإعلام العالمي كثيراً في الماضي والحاضر.. فحتى اليوم لم يحصل الشعب الأرمني على اعتذار تاريخي من الدولة التركية، في حين لقيت قضايا أخرى كقضية الهلوكست اليهودي تعاطفاً عالمياً مبالغاً فيه وتضخيماً إعلامياً في عدد القتلى. وما زالت ألمانيا إلى اليوم تدفع لإسرائيل تعويضات عما ارتكبه هتلر وحكومته النازية باليهود الفقراء، في حين لم تقدم ألمانيا اعتذاراً عن مسؤوليتها الجزئية في مشاركتها في المجازر التي ارتكبها حلفاؤها الأتراك آنذاك بحق الشعب الأرمني، باعتراف بعض دبلوماسييها، آنذاك، والتي كان مجمل ضحاياها أكثر من مليونين من الناس الأبرياء الأرمن، إضافة إلى شعوب المنطقة الآخرين من عرب وسريان وكلدان وآشوريين وأكراد هُجِّروا جميعاً من مناطقهم ونُكِلَ بهم وهم مشردون اليوم حول العالم، بعيداً عن جذورهم التاريخية.

كما لم تقدم إسرائيل اليوم التي لا توفر فرصة لاستغلال واستثمار التعاطف العالمي معها، بسبب الهلوكست، اعتذاراً عن المجازر والانتهاكات التي ارتكبتها في الماضي وماتزال ترتكبها اليوم بحق الشعب الفلسطيني والعربي تحت أنظار العالم المتمدن، وهي حتى اليوم مستأثرة بهذا التعاطف رغم كل العنف الذي تمارسه كل يوم، بينما يتجاهل العالم حقوق ومشاعر الشعوب الأخرى المسالمة التي تعرضت لمجازر تاريخية مروعة. ولا تزال حتى اليوم تتعرض لانتهاك حقوقها وسرقة أرضها وممتلكاتها وصناعتها، لذلك كانت فكرة قيام هذا المجلس لاسترداد الحقوق المسلوبة بالطرق الحضارية والعقلانية ووسيلتها الوحيدة لذلك هي القانون الدولي، لذلك تعمل نخبة من المحامين الدوليين ومن الباحثين والإعلاميين ضمن المجلس لهذه القضية النبيلة. 

 

تعريف المجلس القانوني العربي الأرمني الأممي

هو تنظيم هيكلي ديمقراطي تضامني أممي، سيكون عبارة عن جسر تواصل بين شتات الأرمن في العالم، وبين مناصريهم. يضم النخبة المثقفة قانونياً وإعلامياً وتاريخياً وثقافياً في أرجاء المعمورة. يحدد المجلس الجهة الخصم له لتحقيق أهدافه، وهي الدولة التركية الحالية القائمة حالياً، وارثة الدولة العثمانية التركية، التي مازالت تستولي على حقوق الأرمن من عقارات وأعيان وممتلكات الشعب الأرمني والوقف الديني العائد للكنيسة الأرمنية وكل ما يمت بصلة لحضارته وتراثه الإنساني على الأرض الأرمنية. ويسعى المجلس من أجل استعادة تلك الحقوق لأصحابها ونيل الاعتذار التاريخي من الحكومة التركية لما اقترفته سالفتها ومورثتها الدولة العثمانية والتركية والتعويض لأبناء الشعب الأرمني بجبر الضرر وضمان عودتهم إلى موطنهم الأصلي. ينبذ المجلس العنف بجميع أشكاله، ويتخذ المبادئ الإنسانية، ولاسيما اتفاقية جنيف 1949لحقوق الإنسان، دستوراً نضالياً له. ويستخدم المجلس كل السبل المتاحة الأخلاقية والقانونية والإعلامية لتحقيق أهدافه النبيلة متوشحاً بالعقل والهدوء والحكمة والحذر. كما يلجأ إلى القضاء لمقاضاة كل من له علاقة بالاستيلاء الحالي على الممتلكات وحقوق الشعب العيني العقاري العام والخاص الحضاري والتراثي الموجودة الآن على أرض الدولة التركية الحالية، على الأرض الأرمنية التاريخية للوطن الأم أرمينيا، وبضمن ذلك حقوق الأفراد (عبر الوراثة)، وحقوق الكنيسة الأرمنية، إذ ينظم المجلس القضايا المدنية لانتزاع الحقوق والأرباح الفائتة وأجور المثل دون المساس بأصل الحقوق المسلم بها، وذلك بواسطة محامين دوليين ذوي كفاءة لتحقيق ذلك عبر لجان للملاحقة القضائية لدى الجهات القضائية المختصة.

يقوم المجلس بتنسيب كل مناصري القضية الأرمنية، واعتبارهم كتلة شعبية مؤازرة في أقاليمهم للضغط على برلمانات دولهم لحثهم على استصدار تشريعات تلاحق جزائياً جرم إنكار الإبادة الجماعية التي تعرض لها الشعب الأرمني. يقوم المجلس بالعمل على تنظيم وتفعيل التواصل بين الجالية الأرمنية بالشتات ومناصريها ومؤيديها، وينبثق عنه لاحقاً لجنة حق العودة للشعب الأرمني إلى دياره وأرضه في الدولة التركية القائمة حالياً عبر تنظيم رحلات جماعية تحت مرأى الإعلام العالمي. وينبثق عنه أيضاً مجالس ثقافية تقوم بتنشيط الذاكرة التاريخية للقضية الأرمنية والمساعي المبذولة لحلها. ومطالبة الدول بإدراج تاريخ المذابح الأرمنية في المناهج الدراسية لجميع مراحل التعليم في المدارس والجامعات. يرى المجلس القانوني الأرمني الأممي، أن الأمة الأرمنية وأرض أرمينيا وحدة متكاملة تمثل الروح والجسد الأرمني والذي لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر، وله حق الوجود مَثَلُه مثل كل الشعوب في أوطانها. ويتعهد المجلس العمل على تحقيق هذا الهدف وإحياء الروح في الأرض الأرمنية بوحدته مع أبنائه ليعود ويخفق من جديد. وللمجلس نظام داخلي يتكون من اثنتي عشرة مادة عرضنا بعضها.

أخيراً ما يجعل عمل المجلس مشروعاً اليوم وأكثر من أي يوم مضى، هو استمرار الحكومة التركية الحالية في سرقة الأرمن، ليس فقط ما أثارته قضية ميدان تقسيم التاريخي ومحاولة سرقة أرض الوقف الأرمني داخل الأراضي التركية، لكن لما يحدث في شمال سورية اليوم، وفي مدينة حلب خاصة، حيث فكك المسلحون المؤسسات الصناعية الأرمنية وسرقوها بالتعاون مع شركاء أتراك، وهرّبت هذه المعامل إلى داخل الأراضي التركية. كما تضررت ونهبت أملاك الصناعيين الأرمن والعرب في مدينة حلب، وقد قام بذلك المسلحون بالتعاون مع الحكومة التركية التي استقبلت المسروقات على أراضيها.

وكانت غرفة صناعة حلب قد رفعت القضايا على الحكومة التركية، بسبب هذه السرقة الممنهجة لصناعة حلب، وقام رجال أعمال سوريون، ومنهم الصناعي السوري الأرمني ليون زكي، صاحب مؤسسة ليزاكو الصناعية، برفع قضايا في محكمة الجزاء الدولية لملاحقة أكثر من 80 شخصية تركية قضائياً، ساهمت في عملية السرقة هذه ومنهم رئيس الحكومة رجب طيب أردوغان.

إذاً عملية النهب والسرقة والتدمير لاتزال سياسة الحكومة التركية الحالية التي شاركت مشاركة مباشرة في إشعال المنطقة الشمالية من سورية، وقامت باستغلال الوضع أبشع استغلال. وقد يكون هذا أحد أسباب متابعة المجلس لهذه الانتهاكات.

العدد 1107 - 22/5/2024