ندوة سياسية في منظمة جرمانا

أقامت منظمة جرمانا للحزب الشيوعي السوري الموحد ندوة سياسية، بمناسبة ذكرى الجلاء وأعياد العمال والشهداء والنصر على الفاشية، وذلك مساء الثلاثاء 26 أيار 2015 وحضر الندوة وشارك في النقاش عشرات الأصدقاء والرفاق من منظمتي دمشق وريف دمشق، ومن ممثلي القوى السياسية في جرمانا، وعدد من ممثلي المنظمات الفلسطينية في مخيم جرمانا.

رحّب أمين منظمة جرمانا بالحاضرين، وأكد في كلمة قصيرة أن منظمة جرمانا ارتأت أن تحتفي بهذه المناسبات للاستفادة في واقعنا الراهن من دروسها، في النضال من أجل الحرية والاستقلال والدفاع عن المستغَلّين.. فالسوريون يعانون أزمة بحجم كارثة إنسانية كانت نتيجة تراكمات سياسية واقتصادية واجتماعية على مدى خمسة عقود، أفرزت واقعاً يحتاج إلى جهود جميع الوطنيين السوريين للانتقال بالبلاد إلى دولة المواطنة والقانون، وهذا لا يصنعه إلا توافق السوريين على أساس حوار وطني ديمقراطي شامل.

ثم قدم الرفيق ذوقان شرف، عضو اللجنة المركزية للحزب، مدخلاً للنقاش، أشار فيه إلى أن توق السوريين إلى الحرية لا يضاهيه توق آخر، وأنهم نظروا إليها بوصفها وسيلة وغاية متجادلتين، وراكموا هذا التوق جيلاً وراء جيل.. فقد عبروا عن رفضهم الاستبداد العثماني، وقدموا شهداء وضحايا، كما عبروا عن رفضهم الاستعمار الحديث وواجهوه بثورات عديدة، وصولاً إلى الثورة السورية الكبرى التي وحّدت السوريين تحت شعار (الدين لله والوطن للجميع)، الذي يستمد قيمته وطنياً من قدرته على توحيد جهود السوريين، على تنوع انتماءاتهم، لتحقيق استقلالهم، ومن ديمقراطيته ومن علمانيته أيضاً.. وقد ظل هذا الشعار أساساً ونوعاً من خلفية عميقة للقوى الوطنية السورية، وصولاً إلى يوم الجلاء، وما بعده.. واليوم بعد مرور تسعين عاماً على شعار (الدين لله والوطن للجميع)، فإنه يعني لنا أن نسعى بالتوافق مع كل من تعز عليهم سورية وطناً وشعباً، لبناء دولة مدنية ديمقراطية علمانية، تحفظ حقوق مواطنيها وكرامتهم، وتضمن مستقبلاً آمناً ومزدهراً لهم ولأطفالهم).

وتطرق إلى المراحل التي تلت الاستقلال، ومنها الانقلابات المتتالية، ثم فترة أواسط الخمسينيات التي بدأت بانتخابات ديمقراطية، تلتها حياة سياسية ديناميكية، وتطور في بناء مؤسسات الدولة، ومواجهة الأحلاف ومحاولات الاعتداء، لقطع طريق تطور سورية وازدهارها الاقتصادي والاجتماعي، ولمنع مساندتها للثورات الوطنية التحررية في الجزائر وغيرها.. ثم عرج على مرحلة الوحدة التي بدأت سطوة الأجهزة تتنامى فيها، مستظلة بحالة الطوارئ، وتنامي هذه السطوة فيما بعد، خصوصاً بعد 1980. و(راح الفساد يستشري اتساعاً وارتفاعاً مع بداية القرن الجديد)، وذكّر في هذا السياق بمقالات د. طيب تيزيني (ثلاثية الفساد- أيار 2000) المنشورة في صحيفة (تشرين)، وأشار إلى تدهور الزراعة، وتراجع الصناعة على أرضية الانفتاح الاقتصادي الليبرالي الذي لم يترافق مع انفتاح سياسي. و(راحت الدولة تنسحب من وظائفها الأساسيةً شيئاً فشيئاً، ووجد المواطن نفسه معلقاً في الهواء، فلا دولة تحميه، ولا نقابات أو أحزاب قوية تسند وجوده، ولا قضاء مستقل يضمن حقوقه، والفرص أمامه محدودة ليكون معتمداً على نفسه في تأمين مستلزمات حياته، فانتشر الفقر واتسع نطاق البطالة، وتدهورت الخدمات العامة، واستشرى الغلاء والفساد).

الأزمة مركبة.. أساسها داخلي وحلها بتوافق السوريين

وعرض بعد ذلك بإيجاز رؤية الحزب الذي رأى منذ الأيام الأولى لانفجار الأزمة (آذار 2011) أنها مركبة، سياسياً، اقتصادياً، واجتماعياً، وأن أساسها داخلي.. فالصيغة السياسية السائدة على مدى عقود لم تعد تلائم المجتمع ولا تطورات الحياة، وأن الانفتاح الاقتصادي الليبرالي خرّب الزراعة وضرب الصناعة وهمّش حقوق المنتجين لصالح شريحة محدودة.. وعلى هذا الأساس طالب الحزب برفع حالة الطوارئ، وتعديل الدستور، وإشاعة الديمقراطية، واحترام حقوق الإنسان، وبالتراجع عن السياسات الاقتصادية المجحفة، وباستقلالية القضاء، والنقابات، وبمكافحة الغلاء والفساد.. ومع تطور  الأحداث طرح الحزب ومازال يؤكد ضرورة الحوار الوطني الشامل الذي يحقق، بتوافق السوريين، إقرار عقد اجتماعي جديد ينبثق عنه دستور ديمقراطي عصري وقوانين متطورة للأحزاب والجمعيات والإعلام والانتخابات. وأعلن الحزب ومازال يؤكد وقوفه ضد التدخل الخارجي وضد العنف والإرهاب والتطرف والتكفير، وسعى للانفتاح على كل القوى السياسية، وهو مازال يرى أن حل الأزمة سياسي، وأن مواجهة الإرهاب والتطرف هي مهمة السوريين جميعاً.

وعلى هذا فقد رحب الحزب بما توصل إليه منتدى موسكو2 وهو يؤيد الجهود المبذولة لعقد جنيف 3 الذي سيكون حصيلة توافق دولي إقليمي أولاً، لكن السوريين بسائر مواقعهم السياسية، يمكن أن يستعيدوا المبادرة، وأن يحافظوا على وحدة البلاد وسيادتها، إذا ما سعوا باتجاه التوافق لتحقيق مصالح الشعب السوري أولاً. وفي هذا السياق يؤكد الحزب أهمية تلاقي القوى الوطنية وتعاونها للانتقال بسورية من دولة منكوبة بالحرب والإرهاب والحصار الاقتصادي وشعب هجّر وشرّد منه ملايين، إلى دولة ديمقراطية علمانية، تبدأ بإعادة هيكلة مؤسساتها وأجهزتها، تعيد للمتضررين حقوقهم وكرامتهم، وتظلل بالعدالة مواطنيها جميعاً.

نقاش غني

دار بعد ذلك نقاش واسع وغني، تركز حول ضرورة وقف نزيف الدم السوري، ودعم الجهود المبذولة لحل الأزمة سلمياً، وفي الوقت نفسه مواجهة الإرهاب والتنظيمات التكفيرية، وهو ما يستلزم توفير مستلزمات الصمود للسوريين، ومكافحة الغلاء والفساد، وجرى التركيز على ضرورة تلاقي الأحزاب والقوى الوطنية وتوحيد جهودها في التصدي لخطر القوى الظلامية، وأن يكون دورها فاعلاً في رفع مستوى الوعي والثقة بالمواطنين، وتعزيز التماسك الاجتماعي والوحدة الوطنية، والابتعاد عن أساليب الإقصاء والتهميش، مستفيدين من دروس الأزمة.

العدد 1105 - 01/5/2024