معركة عين العرب.. فضائح التحالف وأدواته

في الوقت الذي طرح فيه صمود بلدة عين العرب السوري الحدودية مع تركيا ومايزال يطرح مسألة جوهرية عنوانها مقومات الدفاع البطولي في وجه مجرمي (داعش)، فإنه يثير تساؤلات وعلامات استفهام عديدة، حول حقيقة المواقف المختلفة المحلية والإقليمية والدولية من هجوم عصابات داعش وشقيقاتها على هذه البلدة من جهة، ودلالاتها من جهة ثانية. وتؤكد بمجموعها أنها تمثل مرآة مصغرة لطبيعة الصراع الدائر وأدواته في العديد من المناطق السورية وغيرها أيضاً.

فهجوم عصابات داعش وأنصارها الواسع على هذه البلدة الحدودية، يأتي في سياق محاولة استكمال سيطرتها على العديد من المناطق الحدودية السورية- التركية، الخارجة حتى تاريخه عن سيطرة الدولة السورية، ولهذا دلالاته ومغزاه الكبيرة. ويشير في  العديد من جوانبه إلى أهدافه المعلنة وغيرها، وبضمنها إيجاد حلقة وصل جغرافية من الحدود التركية – السورية إلى مدينة الموصل العراقية.

وإذا حظي صمود عين العرب (كوباني) وبسالة أبنائها ولجان الحماية الشعبية فيها، في الدفاع عنها، بمكانة خاصة في الوطن الأم سورية، فإنه كشف مواقف الأطراف الأخرى المنشغلة في معركة عين العرب أيضاً.

فالهجوم على هذه البلدة الآمنة، مثّل لداعش وأنصارها حلقة هامة في سياق محاولات تمددها الجغرافي في منطقة حدودية حساسة عسكرياً وأمنياً، كذلك للمدافعين عنها، بوصفها إحدى المناطق الاستراتيجية الرافضة لداعش والمتصدية لمخططاتها. وفي هذا الإطار ينظر بخصوصية إلى تدخل الطيران الحربي السوري مرات عديدة على أطراف البلدة الحدودية الحساسة، وتقدير الحكومة السورية لصمودها، في الوقت الذي صمتت فيه أطراف ما يسمى »المعارضة المعتدلة« و»السياسية« عن الجرائم بحق مواطنيها، وعن جرائم المشروع الداعشي عموماً، تمماً كصمت مسعود البرزاني، رئيس إقليم كردستان العراق، وتواضع انتقادات تحالف الولايات المتحدة الأمريكية (الدولي) لهذا الهجوم الداعشي، وأهدافه المعلنة والمبيتة أيضاً. إذ لا يمثل سقوط عين العرب ثغرة في المخطط الأمريكي (الدولي)، ولا يشكل عامل تحول استراتيجي في إطار المعارك الدائرة في سورية بين داعش وجبهة النصرة الإرهابيين، وبين الدولة السورية، كما لا يشكل مصير البلدة هماً تركياً كبيراً، بقدر اهتمامها بإقامة المنطقة العازلة المخطط لها على امتداد الحدود السورية – التركية تحت مسميات (إنسانية) (منطقة حظر جوي، مخيمات نازحين.. إلخ)، رغم التظاهرات الواسعة التي شهدتها العديد من المناطق التركية من ديار بكر جنوب شرق البلاد، إلى إسطنبول في غربها، وذهب ضحيتها حتى تاريخه العشرات من الضحايا ومئات الجرحى، وامتداداتها في العديد من الدول الأوربية أيضاً.

إذ اتخذت تركيا رسمياً موقفاً متفرجاً نظرياً من المعارك الدائرة في عين العرب، وساعدت عملياً العناصر الداعشية وغيرها في حصار البلدة من جهة، وفي منع وصول الإمدادات البشرية والمساعدات الأخرى، وبخاصة الكردية من تركيا إليها، ومساعدة المدافعين عنها من جهة ثانية.

وفيما المخاوف تزداد بشأن تبعات معارك بلدة عين العرب، وخاصة ممارسات عصابات داعش الانتقامية الإجرامية، الذي مارسته بحق بلدات أخرى، فإن ردود فعل المدافعين عن البلدة تجلت في عمليات استبسال بطولية وصولاً إلى العديد من الحالات الاستشهادية (تفجير مقاتلة نفسها على حاجز عسكري داعشي، رفض مقاتلة أخرى تسليم نفسها واستشهادها أيضاً.. إلخ)، فإنها تؤكد مرة أخرى رفض الشعب السوري سلطة داعش ومقاومته البطولية لها، والتصدي لمخططاتها فوق السورية أيضاً.

فتركيا (المهمومة) بعذابات الشعب السوري، منعت خروج المدنيين من عين العرب، كما منعت وصول الإمدادات البشرية المقاتلة الكردية من تركيا إلى هذه البلدة، ومنعت كذلك المساعدات المدنية، وواصلت حصارها اللاإنساني  الجائر على البلدة، مغلقة منافذها الحدودية، في الوقت الذي تباكت فيه أطراف دول التحالف الأمريكي – (الدولي) على مصير البلدة، واكتفت بالتحذير من مصير المعارك فيها، وببعض الضربات الجوية غير الفاعلة أو المؤثرة على مجموعات داعش الإجرامية، والذي رفعت فيه دول التحالف (الدولي) من حدة انتقاداتها للعصابات الإجرامية، ولم ترفقه كما هو الحال الأمريكي بخطوات عملية ضاغطة على تركيا الأردوغانية، أو على الوكلاء المحليين الآخرين الداعمين لداعش وشقيقاتها.

وتزداد الأمور فجاجة في ظل صمت أطراف كردية مقررة في بلدانها،  لم تصل إلى مستوى انتقاد الموقف التركي، على علاته ونواقصته وتآمره، أو أن تطلب من ما يسمى (المعارضات السورية) رفع درجة (احتجاجها) و(انتقادها) لوكيلتها الأم تركيا، أو اتخاذ موقف صريح وواضح لا لبس فيه، من هجوم داعش وممارسات عصاباتها الإجرامية.

عين العرب (كوباني)، لوحة مصغرة لآلية الصراع والاقتتال الدائر في سورية، يظهر حقيقة مواقف أطرافه وأدواته ووكلائه، كذلك ما يسمى (التحالف الأمريكي- الدولي)، وفضيحة الحرب الكونية على عصابات داعش وأنصارها وأهدافها الفعلية غير المعلنة رسمياً بعد أيضاً.

 

العدد 1105 - 01/5/2024