إلى الجحيم… أيها الضالعون بالإثم!

صباح الدم… أيها الضالعون بالإثم والموبقات…

صباح الحقد والضغينة… أيها القتلة المجرمون…

صباح الرعب والبطش… أيها الملثمون الذين ملأتم قلوبنا رهبة وفزعاً ورعباً!

ها هي ذي الصبية الفاتنة دمشق أمامي…

بشوارعها وأزقتها وحكاياتها وياسمينها وقرنفلها… وقاسيونها.. وأنهارها.. وهوائها وشمسها وكواكبها…

ها هي ذي أمامي ببراءتها وصفائها ونقائها وعذوبتها.

صبية لا أحلى ولا أجمل..

نعم هاهي ذي أمامي.. وها أنتم أولاء تحاولون أن تنتهكوا حرمتها… وتدكوا بيوتها القديمة وحاراتها الأليفة بفؤوسكم… وتنسفوا مآذنها ومساجدها وكنائسها بصواريخكم… وتقصفوا حدائقها ومدارسها وأطفالها بقذائف الهاون…

أيها الضالعون بالإثم… لم تتركوا فيها شارعاً أو رصيفاً أو حارة دون عبوة ناسفة… ولم تدعوا فيها منزلاً أو نافذة دون طلقة حقد غادرة..

خربتم ساحاتها… ذبحتم عشاقها… شردتم أطفالها… لم تتركوا فيها شجرة دون دموع.. لم تتركوا فيها حائطاً دون جراح.. لم تتركوا فيها حقيبة مدرسية دون ألم… لم تتركوا فيها أرجوحة دون أنين…

نعم هاهي ذي الصبية الفاتنة دمشق أمامي…

وها أنتم أولاء تحاولون أن تمرغوا جبينها بالوحل والتراب… ولكن هيهات.. فهذي الصبية ما هانت يوماً.. ولم ولن تنحني إلا لتقبل أبناءها.

وها أنتم أولاء تحاولون أن لا تبقوا فيها حجراً على حجر… ولكن هيهات.. فها هي ذي أحجارها تتماسك.. تتشابك… يحتضن بعضها بعضاً، كما العشاق يحتضنون بعضهم بعضاً، إبان رحيل.

وها أنتم أولاء تحاولون  بكل ما تملكون من وقاحة  أن تطؤوا بأحذيتكم القذرة رأسها…

وتحاولون  بكل ما تملكون من دناءة  أن تقصوا شعرها لتسير هكذا بين المدن وعواصم العالم ذليلة مهانة…

وتحاولون  بكل ما تملكون من وحشية  أن تقطعوا عنقها من الوريد إلى الوريد، وأنتم تمنون النفس أن تقفوا وتتفرجوا عليها وهي تنتفض  كالشاة الذبيحة  قبل أن تخرج روحها من جسدها وتصبح جثة هامدة…

وتحاولون… وتحاولون… وماذا بعد أيها اللصوص الحاقدون.. ماذا بعد…؟

ماذا تريدون من هذه الصبية الفاتنة دمشق…؟

ماذا تريدون…؟

فمنذ أن عرفتها كانت تحتضن أبناءها كأم رؤوم.. وتحتضن عشاقها بكل ما تملك من حنان، لتمنحهم الراحة والطمأنينة، وعشاقها لا يبخلون عليها بما تجود به قرائحهم من الشعر:

عقدَ الربيعُ على الشآمِ قرانَهُ

والشاهدانِ الفلُّ والريحانُ

وها هو ذا أحمد شوقي أمير الشعراء يتغنى بها كما يتغنى العاشق بمعشوقته:

سَلامٌ مِن صَبا بَرَدى أَرَقُّ

وَدَمعٌ لا يُكَفكَفُ يا دِمَشقُ

وَمَعذِرَةُ اليَراعَةِ وَالقَوافي

جَلالُ الرُّزءِ عَن وَصفٍ يَدِقُّ

وَذِكرى عَن خَواطِرِها لِقَلبي

إِلَيكِ تَلَفُّتٌ أَبَداً وَخَفقُ

فيا أيها الضالعون بالإثم والموبقات.. إلى الجحيم بحقدكم وغدركم وخيانتكم….

ودمشق إلى عشاقها الذين ينتظرونها عند ناصية الفجر!

العدد 1104 - 24/4/2024