الحياة نبتة.. تحيا وتذبل وتموت

مثلما للحروق طبقات وأسماء، كذلك هو الحزن والأسى..

فحزننا على فقدان شخص يختلف باختلاف مكانته وقدره عندنا، كذلك هو كل حبّ.. له درجات ومعان ، فحبّ الأم يختلف عن حب الابن أو الأخت أو الزوجة..

ولكلٍّ علاقة سقف وحدود تمّيزها عن غيرها، ولكل بناء أساس وطبقات.. منها المرتفع، ومنها المنخفض، وكلما كان أساس البناء متيناً وصلباً، كان ارتفاعه أعلى وأبقى، ( ويبني عالياً كل من يحفر عميقاً). ولفصول الطبيعة وجوه مختلفة، حتى الفصل ذاته قد يختلف من سنة إلى أخرى، وتكون له درجات وطبقات من الحرارة أو البرودة، من الجفاف أو الفيضان. ولأرضنا ولجبالنا سلالم، ولأشجارنا أوقات قد تزهر فيها أو قد تبقى يابسة، ولطيورنا مراحل ومواسم تهاجر فيها من مكان إلى آخر، تبني أعشاشها قشّة قشّة، وتربي فراخها يوماً بيوم، متحمّلة برد الليل وقيظ النهارات الصيفية الطويلة. وثمة طبقات وقياسات للوجوه.. منها المبتسم، ومنها لا يعرف معنى الابتسام، ومنها يتصنّع البسمة فيفتعلها للحصول والوصول إلى حاجته، ثم تنتهي ابتسامته تلك بحصوله على ما يريد.

 (من البشر كلاب، تفعل ما لا تفعله الذئاب)

وللأماكن أيضاً درجات.. منها المرتفع ومنها المنخفض. ومنها ما يُعطى بثمن، وقليلة تلك التي لا تعطي نفسها إلا لمن يستحقها.

وللعقول نوافذ وأبواب.. منها ذات طبقات سميكة وقاسية، يصعب كسرها أو اختراقها، ومنها الناعمة الرقيقة كوردة تمنح الآخرين نفسها وعطرها دون مقابل. والوردة ذاتها قد يجد فيها البعض طعاماً يشبعون بها بطونهم، ومنهم من يجد رحيقها غذاءً لنفسه ولعقله.

ولصبرنا درجات.. فصبرنا على الغريب يختلف عن صبرنا على القريب، وصبرنا على الصغير يختلف عن صبرنا على الكبار، والصّبر في مكانه وزمانه المناسبين كشجرة زيتون، جذورها مرّة، وثمارها حلوة مفيدة، فالإنسان دون صبر، قنديل بلا زيت، (و قد يكون الصبر في أحيانٍ كثيرة مرهماً لكلّ الجراح..). ولأيدينا أطوال ومقاسات… منها الصلب القاسي، تلك التي لا تُعطي سوى الجفاف والصقيع، ومنها الطويلة الملوّنة، القادرة على الكسر والبطش والقتل بدم  بارد ، ومنها – وما أقلّها في هذا الزّمن العاق، – الأيدي التي تمنح الدفء وتنشر الحب والخير والأمان.  و للموت مواسم وأوقات.. يأخذ البعض ويترك الآخر.

و أحياناً يجني على مَن لا جناية له.. ويترك الجاني الحقيقي.. يظلم المظلوم، ويزيد من قوّة الظالم.

إن لحياتنا درجات ومراحل.. فهي كأية نبتة، تحيا وتمرض وتذبل، وتموت.  (فكلنا خُلقنا من طينة واحدة، لكن طريقة شيّها

و صقلها تختلف من إنسانٍ إلى آخر..).

إنما قد يحدث في أحيان  كثيرة، أن ينطفئ النور، والمصباح لا يزال ممتلئاً بالزّيت.

العدد 1105 - 01/5/2024