النافذة الواحدة.. خدمة خمس نجوم!

عندما تقصد مديرية التربية في مدينة دمشق من أجل إنجاز عمل إداري ما، فانك تتوجه إلى النافذة الواحدة، وهذا يستلزم منك ارتداء لباس أنيق ونظيف يتناسب مع المكان المقصود.. فأول ما يواجهك باب زجاجي نظيف يفتح تلقائياً عند وصولك، فيعطيك شعوراً بالتفاؤل والاحترام.

وبعد دخولك إلى قاعة نظيفة أرضيتها من الرخام، يقابلك الهواء البارد صيفاً والدافئ شتاء، ومجموعة من النوافذ النظيفة والأنيقة  خلفها موظفون لطيفون ووسيمون تعلو البسمة وجوههم، فتأخذ رقماً وتجلس لدقيقة أو دقيقتين، حتى تسمع صوتاً أنثوي ناعماً ينادي على رقمك ويحدد لك النافذة التي يجب أن تقصدها.. وعند قصدك للنافذة تعطي طلبك للموظف الذي يراجعه ويرشدك إلى النواقص إن وجدت، أو يأخذ منك الطلب ويطلب منك العودة للجلوس، بينما تُنجز معاملتك.. وفي هذا الوقت ومن على مقعدك المريح يمكنك متابعة إحدى شاشتَيْ عرض، واحدة تعرض باستمرار الإرشادات والتوجيهات ومستلزمات المعاملات التي تتم ضمن مديرية التربية مع ذكر الأوراق المطلوبة والقوانين الناظمة لها. والشاشة الأخرى تقوم ببث مايعرض على القناة التربوية السورية من برامج تربوية وعلمية وغيرها.

 وفي أعلى الجدار شاشة إلكترونية يظهر عليها أرقام الطلبات التي أُنجزت، إضافة إلى وجود الماء البارد وأعداد من مجلة (بناة الأجيال)، بحيث يمكنك قضاء وقت الانتظار دون ملل، وعند ظهور رقم طلبك على الشاشة، تقوم إلى النافذة المحددة، فيسلمك الموظف طلبك بتهذيب شديد معتذراً منك عن التأخير في إنجازه، ثم يرشدك إلى ماعليك فعله.. هذه هي النافذة الواحدة التي لم يزرها إنسان.

ولكن كل المراجعين يقولون بقصة أخرى.. هم يقولون إنه عندما تصل إلى مديرية التربية وتقصد النافذة الواحدة ستجد رتلين طويلين، واحد للذكور وواحد للإناث، يقفان أمام نافذة واحدة، وكل منهم بيده طلب غالباً مايضعه على رأسه كي يقيه حر الصيف أو يضعه تحت معطفه مخافة مطر الشتاء، أو كي لا يصاب الطلب بالزكام، فيمتنع الموظف عن ختم الطلب المزكوم. وعندما يصل دورك بعد ساعة يقوم الموظف بمهره بختم واحد ويكتب عليه رقماً واحداً وتاريخاً واحداً، ثم يعطيك الطلب لتقوم بإنجاز معاملتك بنفسك. فتذهب دون أن تدري ما الذي حدث، وما الخدمة التي قدمتها لك هذه النافذة؟

وأنا هنا اعتقد أنني اكتشفت هذا السر، لأن تعريف النافذة الواحدة هو: نافذة واحدة في جدار واحد، فيها موظف واحد، يختم لك ختماً واحداً، على طلب واحد، ولا تمضي أمامها إلا ساعة واحدة. أما فوائدها فهي:

أولاً- من الناحية الإنسانية: إن بقاءك في حر الصيف أو برد الشتاء لساعة واحدة يجعلك تشعر بمأساة إخوانك في الإنسانية الذين لا مأوى لهم في الكثير من بلدان العالم.

ثانياً- من الناحية الاجتماعية: خلال الساعة التي تنتظرها تتعرف على الكثير من الأشخاص الذين لم تكن لتتعرف عليهم، لولا هذه النافذة أو تصادف صديقاً عزيزاً لم تره منذ مدة، وإن كنت عازباً فربما تتعرف على شريك العمر.

ثالثاً- من الناحية الاقتصادية: يمكن لمديرية التربية أن تضع كشكاً بجانب هذه النافذة يبيع مشروبات ساخنة وباردة ومأكولات سريعة، ويؤجر مظلات في الصيف والشتاء وبعض أنواع القرطاسية والأقلام، وتحقق فرصة عمل لموظف أو اثنين ودخل إضافي لمديرية التربية من استثمار هذا الكشك.

رابعاً- من الناحية الصحية: إن الوقوف تحت أشعة الشمس لمدة ساعة يزود الجسم بفيتامين د، ويقتل بعض أنواع الفطور، ويعقم الملابس.

وأنا هنا لا أدافع أبداً عن هذه النافذة لأني مستفيد منها، بل أردت أن أوضح لمن لا يعرف فوائدها وكيف جاءت تسميتها وتعريفها، كي يعلم الجميع أنها لم تنشأ عبثاً بل لها فوائد أخرى ربما لم نذكرها جميعها.

العدد 1104 - 24/4/2024