«لحدّ هون وبسّ..»!

(إذا أردنا أن نعرف ماذا في إيطاليا، فيجب أن نعرف ماذا في البرازيل)!

عبارة لطيِّب الذكر والفن، الراحل نهاد قلعي المشهور بلقب (حسني البورظان)، قالها في أحد مسلسلاته ، ثم درجت على الألسن فترة طويلة.

تلك العبارة، خطرت في بالي البارحة في دمشق، أمام المركز الثقافي العربي في أبي رمانة، أثناء انتظاري حافلة تقلني إلى (المهاجرين) كي يتسنى لي الرجوع على متنها إلى (الصناعة)، إذ وجدتني أكلم نفسي قائلاً:

إذا أردنا أن نذهب إلى الصناعة، فيجب أن نذهب أولاً في أحد السرافيس إلى المهاجرين،كي نعود على متنه إلى الصناعة. وكذا أيضاً سيكون قولنا صحيحاً، إذا ما بدّلنا الأسماء في ركني أداة الشرط (إذا) فوضعنا على سبيل المثال، بدلاً من الصناعة: (فلسطين) أو (اليرموك). هذا على افتراض أن المنطقتين الأخيرتين، ما زالتا تحت سيطرة الدولة.

طبعاً ليس المقصود هنا من ذكر أزمة النقل في العاصمة – على ما تشكله تلك الأزمة من معاناة يومية للمواطن – تضخيمها، فهي ضخمة أصلاً. أقول: ما كان مني في ظل هذه (الرفاهية) المواصلاتية، إلاّ أن أمتشق مشروعي الشخصي، وأحلّ أزمتي في النقل، بالتنقل مشياً. ما يوفر عليَّ مصروفاً لا ينقصني.. ويمحضني رياضة أحتاجها.. وفي الوقت نفسه يعفيني من تحمّل أدبيات السياقة العمومي من فن وذوق وأخلاق، يتمتع بها سائقو السرافيس أساساً، مضافاً إليها أدبية جديدة: أن صار الواحد منهم، يوقف حافلته في النقطة التي يريد من الخط، ليقول للركاب: (أنا لهون بسّ). وإذا ما خطر ببالك أن تستنجد أو تستجير (بتكسي غرام أيام زمان)، فعوضاً عن أن تشير إلى السائق عن المكان الذي تكون مضطراً للذهاب إليه، يبادرك حضرته، باسم المكان الذي يريد هو زيارته، فلعل الحظ يحالفك ويساقب خطّكما واحداً!

لكن من سلبيات استبدالك بالتنقل راكباً التنقل ماشياً، أن ذلك الحل لا يمكن تطبيقه على المسافات الطويلة، وخارج المدينة. كما لا يمكن سحبه على كل ذوي وذوات الرجلين. كما أن أزمة النقل، لم تعد الأهم ولا الأخطر، بين سواها من أزمات، قريبات وأخوات لا سقف لها ولا ضابط ولا رقيب. فهناك أزمة المازوت.. أزمة البنزين..أزمة الخبز..أزمة الغاز.. أزمة الغلاء ورفع الأسعار الماراتوني، إلى حدّ أن بعض التجّار صاروا يبدلون أسعار بضائعهم يومياً ويرفقونها بكلمة : (الآن) أو (حالياً). ناهيك بأزمة الأزمات، في فقدان المواطن الأمن على حياته وإحساسه الضاغط، بأنه مشروع قتل مفتوح.

لقد غدت حياة المواطن السوري، سلسلة لا متناهية من أزمات أنهكته حتى لم يعد  في كثير من الأحيان  يرى أبعد من موطئ قدمه ولا يحلم بأكثر من تأمين قوت يومه، ما وضعه بتصرف كابوس دائم من ضياع سديمي، لا يعرف معه متى.. وأين.. ولا كيف ستكون نهايته؟!

العدد 1105 - 01/5/2024